يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ … ففؤادي بها معنَّى عميدُ
غادة ٌ زانها من الغصن قدٌّ … ومن الظَّبي مُقلتان وجِيدُ
وزهاها من فرعها ومن الخديـ … ن ذاك السواد والتوريد
أوقد الحسْنُ نارَه من وحيدٍ … فوق خدٍّ ما شَانَهُ تخْدِيدُ
فَهْيَ برْدٌ بخدِّها وسلامٌ … وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ
لم تَضِرْ قَطُّ وجهها وهْو ماءٌ … وتُذيبُ القلوبَ وهْيَ حديدُ
ما لما تصطليه من وجنتَيْها … غير تَرْشافِ رِيقِها تَبْريدُ
مثْلُ ذاك الرضابِ أطفأ ذاك ال … وَجد لَوْلا الإباءُ والتَّصرِيدُ
وغَريرٍ بحسنها قال صِفْها … قلت أمْران هَيِّنٌ وشديدُ
يسهل القول إنها أحسن الأشْ … ياءِ طُرّاً ويعْسرُ التحديدُ
شمسُ دَجْنٍ كِلا المنيرَيْن من شم … سٍ وبدْرٍ من نُورها يستفيدُ
تتجلَّى للناظرين إليها … فشقى ّ بحسنها وسعيد
ظبية تسكن القلوب وترعا … ها، وقُمْرِيَّة ٌ لها تغريدُ
تتغنّى ، كأنها لاتغنّى … من سكونِ الأوصالِ وهي تُجيدِ
لا تَراها هناك تَجْحَظُ عينٌ … لك منها ولا يَدِرُّ وريدُ
من هُدُوٍّ وليس فيه انقطاع … وسجوٍّ وما به تبليد
مَدَّ في شأو صوتها نَفَسٌ كا … فٍ كأنفاس عاشقيها مَديدُ
وأرقَّ الدلالُ والغُنْجُ منه … وبَراهُ الشَّجا فكاد يبيدُ
فتراه يموت طَوْراً ويحيا … مستلذٌّ بسيطُه والنشيد
فيه وَشْيٌ وفيه حَلْيٌ من النَّغْ … مِ مَصوغٌ يختال فيه القصيدُ
طاب فُوها وما تُرَجِّعُ فيه … كلُّ شَيْءٍ لها بذاك شهيدُ
ثغبٌ ينقع الصدى وغناءٌ … عنده يوجد السرورُ الفقيد
فلها الدَّهْرَ لاثِمٌ مُسْتَزيدٌ … ولها الدهر سامع مُسْتَعيدُ
في هوى مثْلِها يَخفُّ حَليمٌ … راجحٌ حلْمُه، ويَغْوى رشيدُ
ماتُعاطى القلوب الا أصابت … بهواها منهُنَّ حيْثُ تُرِيدُ
وَتَرُ العَزْفِ في يَدَيْها مُضَاهٍ … وَتَرَ الزَّحْف فِيهِ سهمٌ شَديدُ
وإذا أنْبَضَتْهُ للشَّرْبِ يوماً … أيقن القومُ أنها ستصيد
مَعْبَدٌ في الغناء، وابنُ سُرَيْجٍ … وهي في الضرب زلزلٌ وعقيد
عَيْبُها أنَّها إذا غنَّتِ الأحْـ … ـرَار ظلُّوا وهُمْ لديها عَبيدُ
واستزادت قلوبَهم من هواها … بِرُقاها، وما لَدَيْهِمْ مَزيدُ
وحسان عرضن لي ، قلت: مهلًا … عن وحيدٍ فحقُّها التوحيد
حسنُها في العيون حسنٌ وحيد … فلها في القلوب حبٌ وحيد
ونصيح يلومني في هواها … ضلّ عنه التوفيق والتسديد
لو رأى من يلُوم فيه لأضحى … وهو لي المستريثُ والمستزيد
ضلة للفؤاد يحنو عليها … وهي تَزْهُو حَياتَه وتَكيدُ
سحرته بمقلتيها فأضحت … عنده والذميمُ منها حميد
خُلِقَتْ فِتْنة ً: غِناءً وحُسْناً … مالها فيهما جميعاً نديد
فَهْيَ نُعْمَى يميدُ منها كَبيرٌ … وهيَ بلْوى يشيب منها وليدُ
لِيَ حيْث انصرَفتُ عنها رفيقٌ … من هواها وحيث حَلَّتْ قَعِيدُ
عن يميني وعن شمالي وقُدّا … مي وخلفي، فأين عنه أحيدُ
سدَّ شيطانُ حبّها كلَّ فجٌ … إنَّ شيطان حبِّها لَمَرِيدُ
ليت شعري إذا أدام إليها … كَرَّة َ الطَّرْف مُبدىء ٌ ومُعِيدُ
أهي شئٌ لاتسأم العين منه؟ … أم لها كلَّ ساعة تجْديدُ
بل هي العيش لا يزال متى استُعْـ … ـرِض يملي غرائباً ويُفِيدُ
مَنْظَرٌ، مَسْمَعٌ، مَعانٌ، من اللهـ … ـوعتادٌ لما يُحَبّ عتيد
لا يَدبُّ الملالُ فيها ولا يُنْـ … ـقِض من عَقْد سحْرِها تَوْكيدُ
حسنُها في العيون حسنٌ جديد … فلها في القلوب حبٌ جديد
أخذ الله يا وحيدُ لقلبي … منكِ ما يأخذ المديلُ المقيد
حَظُّ غيري من وصلكُمْ قُرَّةُ العيْ … ن وحظيِّ البكاءُ والتَّسْهيدُ
غير أني مُعَلِّلٌ منك نفسي … بعداتٍ خَلا لهنّ وعيد
ما تزالينَ نظرة ٌ منك مَوْتٌ … لي مميتٌ ، ونظرة تخليد
نتلاقى فلحْظَةٌ منك وعْدٌ … بوصال ولحظةٌ تهديدُ
قد تركْتِ الصِّحاح مرْضى يميدُو … ن نُحولاً وأنت خُوطٌ يميدُ
والهوى لا يزال فيه ضعيفٌ … بين ألحاظِهِ صريعٌ جليدُ
ضافَنِي حُبُّك الغريبُ فألوى … بالرقاد النسيب فهو طريد
عجباً لي ، إنَّ الغريبَ مقيمٌ … بين جنبى ّ ، والنسيب شريد
قد مللنا من ستر شيْ مليح … نشتهيه، فهلْ له تجريدُ
هو في القلب وهو أبعد من نجـ … ـم الثريا فهو القريب البعيد