وفدتُ على بغدادَ والقلب موجعٌ … فهل فرّجت كربى وهل أبرأت دائي
تركت الخطوب السود في مصر فانبرت … سهام العيون السود تصدع أحشائي
تركت دخاناً لو أراد دفعتهُ … بعزمة مفتول الذراعين مضاء
وجئت إلى نارٍ ستشوى جوانحي … وتصهر أضلاعي وتسحق أحنائي
فيا ويح قلبي عضّه الدهر فاكتوى … بلفحة قتّالين جورٍ وإصباء
سمعتُ حماماتٍ ينُحن فعزّني … حنيني إلى صحب بمصر أشحّاء
همُ أسلموني لا عفا الحب عنهم … إلى ليلةٍ من غمرة الحزن ليلاء
أنادمهم بالوهم والقلب عارفٌ … بأني لدى كأس من الدمع حمراء
شربت الأسى صرفا فثارت مدامعي … تذيع حديثي في الغرام وأنبائي
أنا الطائر المجروح يرميه بؤسهُ … لشقوته ما بين نار ورمضاء
فإن عشتُ آذتني جروحي وإن أمت … شوتني في الأرواح نيران بأسائي
أحبّاي في مصر تعالوا فإنني … أودّع في بغدادَ أنسى وسرّائي
تعالوا أعينوني على السهد والضنى … فلم يبق مني غير أطياف أشلاء
تعالوا أحدّثكم ففي القلب لوعة … هي الجاحم المشبوب في جوف قصباء
أحبّاي في مصر وهل لي أحبّة … أحبايَ في مصر تعالوا أحبائي
تعالوا إلى بغداد تلقوا أخاكم … صريع خطوب ينتحين وأرزاء
تعالوا تروني في صروف من الجوى … تهدّم بنياني وتنقضُ حوبائي
عفا الحبّ عن بغدادكم عشت لاهياً … أكاثرُ أيامي بليلى وظمياء
فكيف وقعت اليوم في أسر طفلةٍ … مكحّلة بالسحر ملثوغة الراء
أصاول عينيها بعينيّ والهوى … يشيع الحميّا في فؤادي وأعضائي
وأشهد أطياف الفراديس إن بدت … تراود أحلامي مزاحاً وأهوائي
وألمس نيران الجحيم إذا مضت … تروم بعين الجد بعدى وإقصائي
أكاتم أهليها هيامي ولو دروا … لهامت بجنب الشط أرواح أصدائي
إلى الحب أشكوها فقد ضاق مذهبي … وأخلفني بعد الفراق أعزائي
إلى الحب أشكوها فلولاه لم أبت … حليف هموم يصطر عن وأنواء
إلى الحب أشكو بل إلى اللَه وحده … أفوّض بأسائي لديها ونعمائي
أربّاه أنقذني فأنت رميتني … بقلب على عهد الأحباء بكاء
أرباه لا تفعل فإني أرى الهوى … على وقده بالقلب أنفاس روحاء
أحبّ سعير الوجد فأرم حشاشتي … على جمراتٍ منه حمقاء هوجاء
أحب شقائي في الغرام وإنه … لأروح من مطلولة الزهر شجراء
فيا خالق النار العصوف وشائقي … إليها أدم فيها لواعج إصلائي
أحبك يا ربي فهل أنت شافعي … إلى سرحةٍ في شط دجلة زهراء
شهدت فنائي فيك حين رأيتها … تحاول إضلالي وتنشد إفنائي
ومن أنت يا ربي أجبني فإنني … رأيتك بين الحسن والزهر والماء
أنا الفاتن المفتون فارحم بليّتي … وقدّر بأرجاء الفراديس إثوائي
ولا تخلني في جنة الخلد من هوى … برعبوبَةٍ لا تعرف الرفقَ حمقاء
أحبّ الملاح الهوج في الخلد نفسه … عساني بدار الخلد أهجر إغفائي
تباركت ما الجناتُ من دون لوعةٍ … سوى بقعةٍ في غابة الموت جرداء
يحب ضعيف الروح في الخلد أنسَهُ … إلى غادةٍ مأمونة الغيب بلهاء
وأنشدُ في الجناتِ إن ذقتَ راحها … ملاعبَ من طيش وفتك وإغواء
أضاليلُ يزجيها خيالي وأنثنى … إلى ساحةٍ مطموسة الأنس قفراء
لقد كنتُ في مصر شقيّا فما الذي … ستجنين يا بغداد من وصل إشقائي
أهذا جزائي في العراق وحبّه … أهذا جزائي في رواحي وإسرائي
أخلاي ما بغداد راحي وإن درت … قلوب صباياها مدارج إصبائي
أخلاي ردّوني إلى مصرَ إنني … أرى الظلم دون الوجد تسعير لأواء
سقى الغيث أيامي بحلوان وارتوت … ملاعب أحلامي هناك وأهوائي
فما غدرت بي في حماها نسائمٌ … سقاها ربيع الحب أكواب أنداء
وللَه عهد بالزمالك لم يكن … سوى لمحاتٍ يزدهين وأضواء
هصرت به غصناً نضيراً تفتّحت … أزاهيرهُ في ظل خضراء لفّاء
وأين على مصر الجديدة موردى … وأين سهادى في حماها وإغفائي
أطايبُ ذقناها ولم ندر أنها … لندرتها في الدهر أزهار صحراء
أحبّايَ في مصر الجديدة سارعوا … فقد صرّعتني حول دجلةَ أدوائي
أجدكم هل تعلمون بأنني … وإن كنت جار الشط أشرب أظمائي
خذوني إليكم يا رفاقي فإنني … أحاذرُ في بغداد حتفي وإصمائي
أخاف العيون السود فليرحم الهوى … فجيعة أهلى يوم أقضى وأبنائي
أنادم أحبابي وفي الحق أنني … لهول الذي ألقى أصاول أعدائي
أدجلةُ ما بيني وبينك أفصحي … فقد طال في مغناك تبريح إضنائي
وردتك أستشفى فثارت بليّتي … وأرمضني حزني وأضرعني دائي
سقى وردك المعسول غيري ولم أجد … لهول بلائي غير أو شاب أقذاء
أطال أناسٌ فيك نجوى نعيمهم … وفي شطك المورود ناجيت بأسائي
أدجلةُ أين الحب قولي فإنني … تقلبتُ في نارين حقد وبغضاء
أدجلةُ أين النور قولي فإنني … على الشط أستهدى دياجير ظلمائي
أدجلةُ أبلاني اغترابي وشفّني … هيامى بظلمي في بلادي وإشقائي
أدجلة أنت النيل بغياً وكدرة … فكيف من النارين تسلم أحشائي
أدجلة ساقتني إليك مقادرٌ … تأنّقن في كيدي وأبدعن إيذائي
أدجلة واسيني فللضيف حقّهُ … إذا شئت من زادٍ وحبّ وصهباء
طغى موجك الصخاب فاهتاج لوعتي … وأيقظ أشجاني وبلبل أهوائي
وقفتُ أبتّ الجسر ما بي فلم أكن … سوى نافثٍ في أذن رقطاء صمّاء
وقفتُ أرجّيه ولم أدر أنني … أسطّر أحلامي على ثبج الماء
إلى أين هذا التبر يجرى وحوله … حرائق من أرض على الري جدباء
أرقت دموعي في ثراها فما ارتوت … وهل كان دمعي غير أطياف أنداء
شوتني الخطوب السود شيّا فلم تدع … لمعتسف حلما إذا رام إبكائي
أجبني يا صوب الغوادي فإنني … على علتي في الدهر أساء أدواء
تحدّرتَ مختالاً فلم تغن أمة … تشهّى لطول الجدب أوشال أنهاء
بكىحولك الماضون دهراً فهل رأوا … لدى موجك الصخّاب لحظة إصغاء
تشكّى العراق الجدبَ وارتعت أبتغى … نصيبي فلم أظفر لديك بإرواء
أعندك يا صوب الغوادي تحية … لناس على شطّيك ذاوين أنضاء
تروح إلى البحر الأجاج سفاهةً … على شوق أهل في العراق أودّاء
أبوك السحاب الجود يرتاح جودهُ … إلى كل أرض في العراقين ميثاء
فعمّن أخذت البخل يا جار فتيةٍ … هم الجعفر المنساب في جوف بطحاء
شكا الزهر في شطكي فاخجل ونجّه … من الظمأ الباغي ومن حية الماء
جريت بلا وعي إلى غير غاية … محجّلة بين المصاير غراء
فدعني أطل فيك الملام فلم أكن … سوى شاعر للحمد واللوم وشّاء
أأنت الذي يجفو الظماء لينضوى … إلى لجّة في باحة البحر هوجاء
أأنت الذي يسقى البحار وحوله … أزاهير في سهل يفديه مظماء
وقفنا على شطيك نشكو أوامنا … على نبرات الدف والعود والناء
فأين العطاء الجزل يا فيض مزنةٍ … محمّلة بالخير والشر كلفاء
عشقت شقائي فيك للحبّ إنني … أحب شقائي في رحاب أحبّائي
أبغداد هل تدرين أني مودّعٌ … وأن سمومَ البين تلفح أحشائي
وردتك ملتاعا أصارع في الهوى … دموع رفاقٍ وامقين أخلّاء
تنادوا إلى باب الحديد فدّعوا … بقايا فؤادٍ وافر العطف وضّاء
وفيهم ختولٌ لو أراد لردّني … إلى روضةٍ من يانع الأنس غنّاء
تقدم يستهدى العناق فلم يجد … سوى صخرةٍ مكتومة السر خرساء
وعاد يروض العتب أحلام قلبه … على خطة من شائك الهجر عوجاء
وردتك مطعوناً تثور جروحه … فكان بنوك الأكرمون أطبائي
لحبك يا بغداد والحب أهوجٌ … رأيت فنائي فيك مشرق إحياء
تناسيت في مصر الجديدة صبية … هم الزهر الظمآن في جوف بيداء
يناجون في الأحلام أطياف والدٍ … لعهد بنيه والبنيّات نسّاء
أبغدادُ هذا آخر العهد فاذكرى … مدامع مفطورٍ على الحبّ بكّاء
أبغداد يضنيني فراقك فاذكرى … لدى ذمة التاريخ بيني وإضنائي
خلعت على الدنيا جمالك فانثنت … تخايل في طيب وحسن ولألاء
سيذكرني قومٌ لديك عهدتُهُم … يحبّون ظلّامين ضرّى وإيذائي
سيمسى خصومي بعد حين أحبةً … يذيعون مشكورين أطيب أنبائي
ستذكرُ أرجاءُ الفراتين شاعراً … تفجّر عن مكنونة الدر عصماء
سيسأل قومٌ من زكيٌّ مباركٌ … وجسمي مدفون بصحراء صماء
فإن سألوا عني ففي مصر مرقدي … وفوق ثرى بغداد تمرح أهوائي
ستذكرني غيدٌ ملاحٌ أوانسٌ … أطلن بلائي في الغرام وإشقائي
ستذكرني مصر وما كان قلبها … سوى صخرةٍ في جانب النيل ملساء
إلى اللَه أشكو لؤم دهرى وصرفهُ … وعند الإله البرّ أودع حوبائي