لقد ضلَّ مَن يسترقُّ الهوَى … وعبدُ الغرام طويلُ الشَّقا
وكيف أحِلُّ بدار الصَّغارِ … ولي همّة تزدري بالذُّرا؟
وتُظْلِمُ دونِيَ طُرُقُ الصَّوابِ … ومنّى استعار النَّهار السَّنا؟
رُوَيْدَكِ يا خُدُعاتِ الزّمانِ … كفاني فعالُكِ فيمن مضى
جذبتِ عنانَ شديد الجُموحِ … وراودتِ مستهزئاً بالرُّقى
يَعُدُّ الغِنَى منكِ غُرمَ العقولِ … وأنَّ ثراءكِ مثلُ الثَّرى
ومَنْ ملأت سمعَه الذابلاتُ … وقرعُ الظبا لم يَرُعْه الصَّدى
رَمى الدهْرُ بي في فم النائباتِ … كأنِّيَ في مقلتيهِ قَذَى
ولم يدرِ أني حتفُ الحُتوفِ … وأرديتُ بالسَّيفِ عُمْرَ الرَّدى
وأني لَبِستُ ثيابَ العَراءِ … ولا مؤْنسٌ ليَ غيرُ المها
وقلبٌ نَبا عنه كيدُ الزَّمانِ … فما للمُنى في رُباهُ خُطا
إذا نازَعَتني خطوبُ الزَّمان … ملأتُ بهِ فُرُجاتِ المَلا
أُلوّحُ بالنَّقع وجهَ النهارِ … وأحسِرُ بالبيضِ وجهَ الدُّجَى
على سابحٍ في بحارِ المنونِ … كفيلٍ بِوَطْءِ الشَّوَى بالشَّوَى
أنالُ بهِ فائتاتِ الوحوشِ … وألمسُ من صفحتيه السُّها
إذا ما نظرتَ إلى لونهِ … رأيتَ الدُّجى قد تردّى الضُّحى
عذيرِيَ من مُدَّعٍ للعُلى … ولم يَحنِ بالسَّيرِ ظهرَ السُّرى
ولا حملتهُ ظهورُ الجيادِ … ولا رَوِيتْ في يديه الظُّبا
وما كلُّ ذي عَضُدٍ باطشٌ … ولا كلُّ طرفٍ سليمٍ يرى
وبعضُ الأنام الذي ترتضيهِ … وبعضُ الرؤوس مَغاني الحِجا
فكم من طريرٍ يسوءُ الخبيرَ … وكم فرسٍ لا يجاري العفا
دعِ الفكرَ فيمن أعلَّ الزَّمانُ … وإلاّ فقمْ باعتدالِ الشِّفا
فما غيَّرتْ كفُّ ذي صنعة ٍ … بأخفى التحّلي مكان الحُلى
ولَلطبعُ أقهر من طابعٍ … وألحَظْتَ أعيُنَهم غَرَّة ً
سَقى اللهُ منزلَنا بالكثيبِ … بكفّ السحائب غَمْرُ الحيا
محلّ الغيوث ومأوى الليوث … وبحرُ النَّدى ومكانُ الغِنَى
فكم قد نعمتُ به ما اشتهيْـ … ـتُ مُشْتملاً بإزارِ الصِّبا
تُعانقُني منه أيدي الشِّمالِ … ويلثُمُ خدِّي نسيمُ الصَّبا
وكم وردته ركابُ العُفاة ِ … فأَصْدَرْتُها ببلوغِ المُنَى
إذا ما طَمَتْ بيَ أشواقُه … دعوتُ الحسينَ فغاضَ الأسَى
فتى ً لا تُعثِّرُ آراءَه … بطرق المكارم صمُّ الصّفا
يجودُ بما عزَّ من مالِهِ … فإنْ سِيلَ أدنَى عُلاهُ أبَى
ويوماهُ في الفخر مُسْتيقنانِ؛ … فيومُ العطاءِ ويومُ الوغَى
يُفيضُ بهذا جزيلُ الحِباءِ … وَقري بهذا القنا في القَرا
تعرَّفَ في الخلق بالمَكرُماتِ … فأغنته عن رائقات الكُنى
وأخرس بالمجدِ قولَ العُداة ِ … وأنطق خُرسَ اللَّها باللُّها
أيا مَن كَبا فيه طِرفُ الحسودِ … فأمّا جوادُ مديحٍ فلا
تمنّى أعاديكَ ما فارقوه … ومِن دونِ ما أمَّلوهُ العُلى
وعِرضٌ يمزّق مِرْطَ العيوبِ … ويهتِكُ عنه برودَ الخَنا
ولولا علوُّكَ عن قدرِهمْ … لحكّمت فيهم طِوالَ القنا
وألَظتْ أعيُنهم غُرّة ً … تفارقُ منها الجسومُ الطُّلى
لقد عَصَمْتُهُم سفاهاتُهُم … وكهفُ السَّفاهة بئسَ الحِمى
أبَى اللهُ والمجدُ والمشرفيُّ … وسُمرُ الرِّماح مُرادَ العِدا
تهنَّأْ بشهرٍ تهنَّأَ منكَ … بصدقِ اليقينِ وصدقِ التقى
فهذا به تستضىء السّنون … وأنت بمجدكَ فخر الورى
ولو فطن الناس كنت السّوا … دَ من كلِّ طرفٍ مكانَ المُقا
فعش عيشة َ الدّهر ياطرفَه … عميمَ المكارمِ ماضي الشَّبا
ولايصبِرنَّكَ هذا الزَّمانُ … وأنتَ المَطا، والأنامُ الصَّلا