لعَمْرُكَ ما تَجِزِي مُفَدَّاةُ شُقّتي … وَإخْطَار نَفْسِي الكَاشِحِينَ وَمَالِيَا
وَسَيْري إذا ما الطِّرِمْساءُ تَطخطختْ … على الرّكبِ حتى يَحسبوا القُفَّ وَاديَا
وَقِيلي لأصْحابي ألَمّا تَبَيّنُوا … هَوَى النّفْسِ قَد يَبدو لكم من أماميَا
وَمُنْتَجِعٍ دارَ العَدُوّ كَأنّهُ … نَشَاصُ الثّرَيّا يَسْتَظِلُّ العَوالِيَا
كَثِيرِ وَغَى الأصْوَاتِ تَسمَعُ وَسطَهُ … وَئيداً إذا جَنّ الظّلامُ، وَحَادِيَا
وَإنْ حَانَ مِنْهُ مَنْزلُ اللّيلِ خِلتَه … حِرَاجاً تَرَى مَا بَيْنَهُ مُتَدَانِيَا
وإنْ شَذّ مِنْهُ الألْفُ لمْ يُفْتَقَدْ له … وَلَوْ سَارَ في دارِ العَدُوّ لَيَالِيَا
نَزلْنَا لَهُ، إنّا إذا مِثْلُهُ انْتَهَى … إلَيْنَا قَرَيْنَاهُ الوَشِيجَ المَوَاضِيَا
فَلَمّا التَقَيْنا فَاءَلَتْهُمْ نحُوسُهُمْ … ضِرَاباً تَرَى ما بَيْنَهُ مُتَنَائِيَا
وَأخُبرْتُ أعمامي بَني الفِزْرِ أصْبحوا … يَوَدّونَ لَوْ أزْجَوْا إليّ الأفَاعِيَا
فإنْ تَلْتَمِسْني في تَمِيمٍ تُلاقِني … بِرَابِيَةٍ غَلْبَاءَ، تَعْلُو الرّوَابِيَا
تَجِدْني وَعَمْروٌ دونَ بَيْتي وَمالكٌ … يُدِرّونَ للنَّوْكَى العُرُوقَ العَوَاصِيَا
بكُلّ رُدَيْنيٍّ حَدِيدٍ شَبَاتُهُ، … فَأُولاكَ دَوّخْنَا بهِنّ الأعَادِيَا
وَمُسْتَنِبحٍ وَاللّيلُ بَيْني وَبَيْنَهُ … يُرَاعي بِعيْنَيْهِ النّجُومَ التّوَالِيَا
سرَى إذْ تَغشى اللّيلُ تَحمِلُ صَوْتَهُ … إليَّ الصَّبَا، قد ظَلّ بالأمسِ طَاوِيَا
دَعَا دَعْوَةً كَاليأسِ لمّا تحَلّقَتْ … بهِ البِيدُ وَاعْرَوْرَى المِتانَ القَياقِيَا
فقُلتُ لأِهْلي: صَوْتُ صَاحبِ نَفرَةٍ … دَعا أوْ صَدًى نادى الفِرَاخَ الزّوَاقِيَا
تأنّيْتُ وَاستَسمَعتُ حتى فَهِمتُهَا، … وَقد قَفّعتْ نكباء مَن كانَ سارِيَا
فقُمتُ وَحاذَرْتُ السُّرَى أن تَفوتَني … بذي شُقّةٍ تَعلو الكُسورَ الخَوَافِيَا
فَلَمّارَأيْتُ الرّيحَ تَخْلِجُ نَبْحَهُ … وَقَدْ هَوّرَ اللّيلُ السّماكَ اليَمَانِيَا
حَلَفْتُ لهُمْ إنْ لمْ تُجِبْهُ كِلابُنَا … لأسْتَوْقِدَنْ نَاراً تُجِيبُ المُنَادِيَا
عَظِيماً سَنَاهَا للعُفَاةِ، رَفِيعَةً، … تُسامِي أُنُوفَ المُوقِدينَ فنائِيَا
وَقُلْتُ لعَبْدَيَّ: اسْعَرَاها، فإنّهُ … كَفَى بِسَنَاهَا لابنِ إنْسِكَ داعِيَا
فَما خَمَدَتْ حتى أضَاءَ وَقُودُهَا … أخَا قَفْرَةٍ يُزْجي المَطِيّةَ حَافِيَا
فَقُمْتُ إلى البَرْكِ الهُجودِ، ولم يكن … سِلاحي يُوَقّي المُرْبِعَاتِ المَتَالِيَا
فخُضْتُ إلى الأثْنَاءِ مِنْهَا وَقد ترَى … ذَواتِ البَقَايَا المُعسِنات مَكَانِيَا
وَما ذاكَ إلاّ أنّني اخْتَرْتُ للقِرَى … ثَنَاءَ المِخاضِ والجِذاعَ الأوَابِيَا
فمكّنتُ سَيْفي من ذَوَاتِ رِمَاحِهَا … غِشاشاً، ولَمْ أحفِلْ بكاءَ رِعَائِيَا
وَقُمْنَا إلى دَهْمَاءَ ضَامِنَةٍ القِرَى … غَضُوبٍ إذا ما استْحمَلُوها الأثافِيَا
جَهولٍ كَجوْفِ الفِيلِ لم يُرَ مثلُها، … تَرَى الزَّوْرَ فيها كالغُثَاءَةِ طَافِيَا
أنَخَنا إلَيها مِنْ حَضِيضِ عُنَيْزَةٍ … ثَلاثاً كَذَوْدِ الهَاجرِيّ رَوَاسِيَا
فَلَمّا حَطَطْنَاها عَلَيْهِنّ أرْزَمَتْ … هُدُوءاً وَألقَتْ فَوْقَهُنّ البَوَانِيَا
رَكُودٍ، كَأنّ الغَلْيَ فِيهَا مُغِيرَةً، … رَأتْ نَعَماً قَدْ جَنّهُ اللّيْلُ دانِيَا
إذا استَحمَشُوها بالوَقُودِ تَغَيّظَتْ … على اللّحمِ حتى تَترُكَ العَظمَ بادِيَا
كَأنّ نَهيمَ الغَلْيِ في حُجَرَاتِهَا … تَمارِي خُصُومٍ عاقدينَ النّوَاصِيَا
لهَا هَزَمٌ وَسْطَ البُيُوتِ، كَأنّهُ … صَرِيحِيّةٌ، لا تَحرِمُ اللّحمَ جاديَا
ذَلِيلَةِ أطْرَافِ العِظَامِ رَقِيقَةٍ، … تَلَقَّمُ أوْصَالَ الجَزُورِ كمَا هِيَا
فَمَا قَعَدَ العَبْدَانَ حتى قَرَيْتُهُ … حَليباً وَشَحْماً من ذُرَى الشوْلِ وَارِيَا