لأسماءَ دارٌ حيثُ منقطع الرَّمل … سَقاها برجَافِ العَشِيَّة ِ منهلِّ
وَجَرَّتْ عليها الذَّيلَ وطفاءُ أبرَقَتْ … وراحت ومن جلجالها زجلُ الفحل
وإنّي لأستسقي لها وابلَ الحيا … وإنْ كان دمعي ما ينوب عن الوبل
عهدتُ الهوى فيها وكانت كانّما … مواقيتها الأولى مواسم للوصل
حلفتُ بأحشاءِ يحرّقها … وكلّ قريحِ الجفن بالدمع مبتلّ
وما رُمِيَتْ من مهجة صادها الهوى … بمحكولة ِ العينين من غير ما كحل
لقد فتكتْ بي أعينٌ بابليَّة ٌ … فويحك يا قلبي من الأعين النجل
وقد فعل الشوق المبّرح في الحشا … كما تفعل النيران بالحطب الجزل
وإنْ فاض دمعي لا أزال أريقه … فمن كبدٍ تصلى ومن لوعة تصلي
وجور زمان لو أرى فيه منصفاً … لحاكمْتُه فيه إلى حكم عدل
أمثلي يطوف الأرض شرقاً ومغرباً … على أرب يرضى من الكثر بالقلّ
وتقذفني الأسفار في كلّ وجهة … فمن مهمهٍ وعرٍ إلى مهمهٍ سهلٍ
وتحرمني الأيام ما أستحقُّه … فلا كانت الأيام إذ ذاك في حلّ
وأرجع أختارُ الإقامة خاملاً … حليف الجهول الوغد والحاسد النذل
وقد عكفت قومٌ على كلّ جاهلٍ … كما عكفت أقوامُ موسى على العجل
يطاولني من لستُ أرضاه موطئاً … وأُكْرِمُ نعلي أنْ أقيسَ به نعلي
وفاخرني من يحسب الجهل فخره … وناظري من لم يكن شكله شكلي
فتبّاً لدهر تستذلُ قرومه … وتستكبِرُ الأنذال فيه وتستعلي
أقاموا مقامي من جهلت بزعمهم … فما قام في عقدٍ هناك ولا حلِّ
ولو طلبوا مثلي نفسَ حرٍّ أبيِّة ٍ … شديدٍ عليها في الدنا موقفُ الذلّ
أواعدها والدهر يأبى بساعة ٍ … تَبُلُّ غليلي حين تنزعني غلّي
ويعذلني من ليس يدري ولو درى … لما عجَّ في لومي ولا لجَّ في عذلي
على أنّني ما بين شرّ عصابة ٍ … حريصين لا كانوا على الخلق الرذل
لقد أنكروا أشياء أفضلهم بها … وما عرفوا في الدهر شيئاً سوى البخل
وما أشفقوا من وخز دهياءَ طخية ٍ … كما أشفقوا يوم النوال من البذل
مدحتُ شهاب الدين بالعلم والحجى … ومدح شهاب الدينفرضٌ على مثلي
وما يَمَّمَتْ بي ناقة ٌ غير بابه … ولا وَقَّرتْ إلاَّ بإحسانه رحلي
هو الشرف الأعلى هو العلم والتقى … تورَّثه عن جدّه سيّد الرسل
متى حاولته اليعملات حثثتها … إلى السيّد المحمود بالقول والفعل
إلى دوحة من هاشم نبويّة ٍ … نعم إنّ هذا الفرع من ذلك الأصل
وإلاَّ تُحِطْ علماً بأعلم من بها … فَسَلْ من شجاع القوم عن جوهر النصل
وإنّي إذ أصغي لمعنى حديثه … ثملتُ وتردادي بأمداحه نقلي
كلامك لا ما راع من كلّ باهرٍ … ولفظك لا ما کشتير من كورة النحل
وكتبك أمثال الشموس طوالع … فلا الليل يغشاها إذ الشكّ كالليل
هديتَ بها من كان منها بحيرة … وأوْضَحْتَ في تبيانها غامضَ السبل
وأمْلَيْتَ ما حارَتْ عقولُ الورى به … وأصبحت الأقلام تكتبُ ما تملي
وما تنكر الدنيا بأنَّك عالمٌ … وإنْ كان هذا الدهر أَمْيَلَ للجهل
وإنْ عدَّت الأشياخ بالعلم والحجى … فإنَّك شيخٌ الكلّ مولاي في الكلّ
وأنتَ إمام المسلمين بأسرهم … عليك اعتماد القول بالنقل والعقل
فلا أخذَ إلاّ عنك في الدين كلّه … ألا إنَّ حقَّ الأخذ من قولك الفصل
وإنْ قال قومٌ قد عُزِلْتَ فإنّما … عُزِلتَ ولم تُعزَل عن العلم والفضل
يحطُّ سواك العزلُ عن شرف العلى … ومثلُك لا يَنْحَطُّ ما عاش بالعزل
وهل للمعالي لا أباً لأبيهم … سواك وإنْ يأبَ المعاند من بعل
وهبها لدى أسرٍ لدى غير كفوها … فلو خليتْ جاءتك تمشي على رجل
تحنُّ إلى محياك وهي مشوقة … إليك حنين المستهام إلى الوصل
وكم منصب قد قال يوماً لأهله … إليكَ إذاً عنّي فما أَنْتَ من أهلي
أَغَظْتُ بك الحُسّاد في كلِّ مدحة … أشدَّ علىا لأعداء من موقع النبل
وقُلّتُ ولم أرجع إلى غير مثله … ويا كثرَ ما أخرتُ أشياء من قولي
يغيظ كلامي فيك كلّ مناضلٍ … يرى من كلامي فيك نضنضة الصلّ
وفيك أقولُ الحقّ حتّى لو کنّني … أذوقُ الرّدى فيه مريراً وأستحلي