كيف قلتم في مقلتيه فتور … وأراها بلا فتور تجور
لو بصرتم بلحظه كيف يسبي … قلتم ذاك كاسر لا كسير
موتر قوس حاجبيه لإصماء … فؤادي كأنه موتور
لا تسلني عن اللحاظ فعقلي … طافح من عقارهن عقير
كيف يصحو من سكره مستهام … مزجت كأسه العيون الحور
أورثته سقامها الحدق النجل … وأهدت له النحول الخصور
ما تصيد الأسد الخوادر إلا … ظبيات كناسهن الخدور
كل غصنيه الموشح هيفاء … على البدر جيبها مزرور
وجنات تجنى الشقائق منها … وثنايا كأنها المنثور
وبنفسي معنبر الصدغ والعارض … فوق العبير منه العبير
مقطع للقلوب يقطع فيها … باقتدار وخطه المنشور
فتأمل منه عذاريه تعلم … أن معذول حبه معذور
منثني العطف منتشي الطرف في فيه … الحميا وطرفه المخمور
أيس العاذلون مني فيه … مثلما خاب في قبولي المشير
الأمر الملام ينقاد قلبي … وعليه من الغرام أمير
قل لحلو حال من الحسن في هجرك … حالي حزن وعيشي مرير
بفؤادي حللت والنار فيه … فيه منك جنة وسعير
نار قلبي لضيف طيفك تبدو … كل ليل فيهتدي ويزور
وأرى الطيف ليس يشفي غليلي … كيف يشفي الغليل زَوْرٌ زُوْرُ
ما مدام يديرها ثمل العطف … بنفسي كؤوسها والمدير
بنت كرم تجلى على ابن كريم … وجهه من شعاعها مستنير
من سنا كأسها المعاصم والأنفس … فيها أساور وسرور
ولها في الكؤوس في حالة المزج … حباب وفي النفوس حبور
وكأن الحباب في الكأس منها … شرر فوق ناره مستطير
طاب للشاربين منها الهواءان … فلذ الممدود والمقصور
من يدي ساحر اللواحظ قلبي … بهواه مستهتر مسحور
للحميا في فيه طعم وفي عينيه … سكر وفوق خديه نور
من سجايا الصلاح أبهى وهذا … مثل دون قدره مذكور
ما رياض بنورها زاهرات … غردت في غصونهن الطيور
كل غصن عليه من خلع النور … رداء ضاف ووشي حبير
ورقها في منابر الأيك منها … واعظات من شأنها التذكير
وكأن الروض الأنيق كتاب … وكأن الأشجار فيه سطور
أشبه الشرب فيه شارب ألمى … أخضر النبت والرضاب نمير
وكأن الهزار راهب دير … بألحانه تحلى الزبور
وكأن القمري مقرئ آي … قد صفا منه صوته والضمير
كمعاني مدحيك حسنا ومن أين … يباري البحر الخضم الغدير
مستجير جوري وإني منه … بابن أيوب يوسف مستجير
أنت من لم يزل يحن إليه … وهو في المهد سرجه والسرير
فضله في يد الزمان سوار … مثلما رايه على الملك سور
كرم سابغ وجود عميم … وندى سائغ وفضل غزير
راحة أم سحابة وبنان … أم غمام وأنحل أم بحور
كل يوم إلى عداك من الدهر … عداك المخوف والمخدور
وتولى وليك الطالع السعد … وعادى عدوك التقدير
سار بالمكرمات ذكرك في الدنيا … وإن اليسير منها يسير
للحيا والحياء ما إن في كفك … والوجه سائل وعصير
لقد استعذبت لديك المرارات … كما استسهلت إليك الوعور
من دم الغادرين غادرت بالأمس … صعيد الصعيد وهو غدير
ولكل مما تطاولت فيهم … أمل قاصر وعمر قصير
لاذ بالنيل شاور مثل فرعون … فذل اللاجي وعز العبور
شارك المشركين بغيا وقدما … شاركتها قريظة والنضير
والذي يدعي الإمامة بالقاهرة … ارتاع إنه مقهور
وغدا الملك خائفا من سطاكم … ذا ارتعاد كأنه مقرور
وبنو الهنفري هانوا ففروا … ومن الأسد كل كلب فرور
إنما كان للكلاب عواء … حيثما كان للأسود زئير
وقليب عند الفرار سليب … فهو بالرعب مطلق مأسور
لم يبقوا سوى الأصاغر للسبي … فودوا أن الكبير صغير
وحميت الأسكندرية عنهم … ورحى حربهم عليهم تدور
حاصروها وما الذي بان من ذبك … عنها وحفظها محصور
كحصار الأحزاب طيبة قدما … وبني الهدى بها منصور
فاشكر الله حين أولاك نصرا … فهو نعم المولى ونعم النصير
ولكم أرجف الأعادي فقلنا … ما لما تذكرونه تأثير
ولجأنا إلى الإله دعاء … فاوجه الدعاء منه سفور
وعلمنا أن البعيد قريب … عنده والعسير سهل يسير
ورقبنا كالعيد عودك فاليوم … به للأنام عيد كبير
مثلما يرقب الشفاء سقيم … أو كما يرتجي الثراء فقير
عاد من مصر يوسف وإلى يعقوب … بالتهنئات جاء البشير
عاد منها بالحمد والحمد لله … تعالى فإنه المشكور
فلأيوب من إياب صلاح الدين … يوم به توفي النذور
وكذا إذا قميص يوسف لاقى … وجه يعقوب عاد وهو بصير
ولكم عودة إلى مصر بالنصر … على ذكرها تمر العصور
فاستردوا حق الإمامة ممن … خان فيها فإنه مستعير
وافترعها بكرا لها في مدى الدهر … رواح في مدحكم وبكور
أنا سيرت طالع العزم مني … وإلى قصدك انتهى التسيير
وأرى خاطري لمدحك إلفا … إنما يألف الخطيرَ الخطيرُ
بعقود من در نظمي في المدح … تحلى بها العلى لا النحور
ولك المأثرات في الشرق والمغرب … يروى حديثها المأثور
وببغداد قيل إن دمشقا … ما بها للرجا سواك مجير
ما يرى ناظر نظيرك فيها … فهي روض بما تجود نضير
لطاوي الإقبال عندك نشر … ولميت الآمال منك نشور
ومن النائبات أني مقيم … بدمشق وللمقام شهور
لا خليل يقول هذا نزيل … لا أمير يقول هذا سمير
لست ألقى سوى وجوه وأيد … وقلوب كأنهم صخور
سرقت كسوتي وبان من الكل … توان في ردها وقصور
واعتذار الجميع أن الذي تم … قضاء في لوحه مسطور
ولعمري هذا صحيح كما قالوا … ولكن قلبي به مكسور