شقَّ الدُّجى عن نحره الفجرُ … وبَدتْ عليه غلائلٌ خضرُ
وافترَّ يبسمُ عن تبلُّجهِ … ضوء الصباح كأنه ثغر
والشمس قد نهضت لمشرقها … فانهض بشمسك أيها البدر
واشفَعْ بها شمسَ الصباح وإنْ … أضحت وبدء شروقها العصر
واستضحك الدهر العبوس بها … فبمثلها يستضحك الدهر
واسْتجلِها بِكراً مُعتَّقة ً … تَصبو إليها العاتِقُ البِكرُ
حمراءُ تسطعُ في زجاجتِها … فكأنَّها لو لم تذب جَمرُ
وكأنما إبريقها سحراً … إذْ قَهقَهَتْ لحَمامِه وَكْرُ
جليت على خطابها فحكت … عَذراءَ ما عن وصلِها عُذرُ
يسعى بها ساقٍ لواحظه … سكرى وصفو رضابه خمر
حلوُ الهوى عَذبٌ مقبَّلُه … لكن مذاق مطاله مر
أو غادة ٌ رُؤدٌ غدائرُها … ليلٌ وضوء جبينها فجر
هيفاءُ لولا عَقْدُ مِنْطَقِها … لم يستقلَّ بِردْفها الخِصرْ
خرعوبة ٌ جمٌ محاسنها … لكنما إحسانها نزر
في روضة ٍ وشَّى الربيعُ لها … حللاً فطرز وشيها القطر
والبرق شق بمرجها طرباً … جيب الحيا فتبسم الزهر
وشَدَت بها الوَرقاءُ مطربة ً … فتمايست أغصانُها الخُضرُ
واهاً لمجلسنا وقد جمعت … فيه المُنى وتهتَّك السِّترُ
إبريقنا ذهبٌ وخمرته … ياقوتَة ٌ وحَبَابُها دُرُّ
وليومنا وسقاة أكؤسنا … صبحٌ أغر وأوجهٌ غر
دعتِ المُدامُ إلى الصَّبوح به … من ليس يُثقلُ سمعَه وَقْرُ
إنْ لم يَطبْ سُكرٌ لشاربها … فمتى يَطيبُ لشارب سُكرُ
فاشرب ولا تقل الزمان قضى … أن لا يفوز بلذة ٍ حر
شمل الزمان ندى أبي حسنٍ … فصفا وزال بيسره العسر
وسرت تَهلَّلُ من أناملِهِ … لبني الرجاء سحائبٌ عشر
سحبٌ ولكن ودق صيبها … تِبرٌ ولمعُ وميضِها بِشرُ
فالخلق من يمنى يديه لهم … يمنٌ ومن يسراهما يسر
وحكَتْ عوارفُه معارفَه … فتدفقا فكلاهما بحر
بحرٌ ولكن لجُّ نائِله … ما رد سائل فيضه نهر
برَّت باخلاصٍ سريرتُه … فهو التقي المخلص البر
أسمِعْ به وانظر إليه تَجِدْ … خبراً يحقق صدقه الخبر
ذو همَّة ٍ كادَت لعزمتها … صم الصخور يذيبها الذعر
لو رامَ يصطادُ النجومَ بها … لم يأو وكر سمائه النسر
من دَوحة سُقيت أرومتُها … ماء العلى ونما بها الفخر
فتهدلت أغصانها كرماً … زكت الفروعُ وأنجبَ العِتْرُ
يا أيها البدء الذي شكرت … جَدوى يديه البدوُ والحَضْرُ
شعري بمدحك لا أضن به … فلمثل مدحك ينظم الشعر
وإليهكا عقداً مفصلة … لم يحل قط بمثلها نحر
وافت مُهنِّئة بمرتبة ٍ … بك قد سما لمقامها قدرُ
واسلم مدى الأيّام مُرتقياً … رتباً يضيق لعدها الحصر