سكنَ الفؤادُ ، وجفتِ الآماقُ … وَمَضَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا الأَشْوَاقُ
ونزعتُ عنْ نزقِِ الشبيبة ِ والصِبا … بَعْدَ الْمَشِيبِ، ولِلشَّبَابِ نِزَاقُ
لاَ الدَّارُ دَارٌ بَعْدَ مَا رَحَلَ الصِّبَا … عنّي ، ولا تلكَ الرفاقُ رفاقُ
ولقدْ جريتُ معَ الغواية ََ والصبا … جَرْيَ الْكُمَيْتِ، وَلِلْغَرَامِ سِبَاقُ
وَلَبِسْتُ هَذَا الدهْرَ مِنْ أَطْرَافِهِ … و نزعته وقميصه أخلاقُ
فإذا الشبابُ وديعة ٌ ، وإذا الفتى … هَدْيٌ لِفَاغِرَة ِ الْمَنُونِ يُسَاقُ
لله أيامٌ لنا معروفة ٌ … سبقتْ ، وليسَ لسبقهنَّ لحاقُ
حيثُ الصبا نهبٌ ، وسلسالُ الهوى … عَذْبٌ، وآنِيَة ُ السُّرُورِ دِهَاقُ
فِي جَنَّة ٍ خَضْرَاءَ، وَرْدُ خُدُودِهَا … زَاهٍ، وَغَيْثُ مُدَامِهَا غَيْدَاقُ
سَفَرتُ بِها الأقمارُ من أطواقِها … وتجمَّعَت بِفنائها العشاقُ
فالنُطقُ جهرٌ ، والتَّحية ُ قبلة ٌ … بينَ الأحبة ِ ، والسلامُ عِناقُ
لايسأمونَ اللَّهوَ بينَ مَلاعبٍ … قَدْ قَامَ فِيهَا لِلْخَلاعَة ِ سَاقُ
يَفتَنُّ عقلُ المرءِ فى تصويرِها … وَتَحَارُ فِي تَمْثِيلِهَا الأَحْدَاقُ
فَعلى المُروجِ منَ الخمائلِ رفرفٌ … وعلى الخمائلِ للغيومِ رواق
بَعَثَ الرّبِيعُ لَهُنَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ … فَسَمت طِباقٌ فَوقهنَّ طباقُ
دُنيا نعيمٍ لا بقاءَ لِحُسنها … وَنَعِيمُ دُنْيَا مَا لَهَا مِيثَاقُ
فلقد مَضى ذاكَ الزمانُ بِحُسنهِ … وسما إلى الهمُّ والإيراقُ
وَغَدَوْتُ حَرَّانَ الْفُؤَادِ كَأَنَّمَا … ضاقَت على َّ برحبِها الآفاقُ
نَفِسَت على َّ بنو الزمانِ شَمائلِى … فَلَهُمْ بِذَلِكَ خِفَة ٌ وَنِزَاقُ
حَسِبوا التَّحولَ فى الطِباعِ خَليقة ً … وتحوُّلُ الأخلاقِ ليسَ يُطاقُ
تَاللَّهِ أَهْدَأُ أَوْ تَقُومَ قِيَامَة ٌ … فيها الدِماء على الدِماءِ تُراقُ
شَعواءُ تَلتهمُ الفضاءِ ، ويرتَقى … مِنها على حُبُكِ السماءِ نِطاقُ
أنا لا أقرُّ على القبيحِ مَهابة ً … إِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْقَبِيحِ نِفَاقُ
قَلْبِي عَلَى ثِقَة ٍ وَنَفْسِيَ حُرَّة ٌ … تَأْبَى الدَّنِيَّ، وَصَارِمِي ذَلاَّقُ
فَعلامَ يَخشى المرءُ فرقة َ روحِه ؟ … أَوَ لَيْسَ عَاقِبَة َ الْحَيَاة ِ فِرَاقُ؟
فارغَب بِنفسِكَ وهِى َ فى أثوابِها … إن لم تَكُن شامٌ فَتِلكَ عِراقُ
لاَ خَيْرَ فِي عَيْشِ الْجَبَانِ يَحُوطُهُ … مِنْ جَانِبَيْهِ الذُّلُّ وَالإِمْلاَقُ
عَابُوا عَليَّ حَمِيَّتِي ونِكَايَتِي … والنارُ ليسَ يَعيبُها الإحراقُ
فَاضْرَحْهُمُ ضَرْحَ اْلعُيُونِ قَذَاتَهَا … وحَذارِ ، لا تعلَق بِكَ العُلاَّقُ
فَالنَّاسُ أَشْبَاهٌ، وَشَتَّى بَيْنَهُمْ … تَدنو الجُسومُ ، وتَبعدُ الأخلاقُ
فَاعْرِضْهُمُ، وَاحْذَرْ تَشَابُهَ أَمْرِهِمْ … لاَ تَسْتَوِي الأَغْلاَلُ وَاْلأَطْوَاقُ
لاَ تَحْسَبَنَّ الرِّفْقَ يَنْزِعُ غِلَّهُمْ … الشَّرُّ دَاءٌ مَا لَهُ إِفْرَاقُ
شَروا الضَلالة َ بِالهُدى ، واغترَّهُم … لِينُ الْحَيَاة ِ، وَمَاؤُها الرَّقْرَاقُ
فَتَرَى الْفَتَى مِنْهُمْ كَأَنَّ بِرَأْسِهِ … نَزغَ الجُنونِ ، فليسَ فِيهِ لَياقُ
مُتلوِّنُ الأخلاقِ بينَ عَشيرهِ … جَهلاً ، كما يَتَلوَّنُ الشِقراقُ
لَهجٌ بعارية ِ الحَياة ِ ، وما دَرى … أنَّ الحَياة َ إلى المَنونِ مَساقُ
لَو كانَ يَسلَمُ فى الزَمانِ مِنَ الردَى … حَى ٌّ لَعاشَ بِجَوِّهِ السَيذاقُ
أربَى عَلى شِمراخِ أرعَنَ باذِخٍ … سامٍ ، لَهُ فوقَ السَحائبِ طاقُ
نَهمانُ يَعتلِقُ القَطا بِمخالِبٍ … حُجْنٍ، لَهُنَّ بِوَقْعِهَا تَصْعَاقُ
لا يَستَقِرُّ بهِ الجَناحُ ، وطَرفهُ … مُتقلِّبٌ يَسمو بهِ الإرشاقُ
بَينا كَذلِكَ إذ أصابَ عِصابة ً … لِلطَيرِ أرسَلَها صَدى ً مِحراقُ
فَسَمَا، فَحَلَّقَ، فَاسْتَدَارَ، فَصَكَّهَا … بِمُذَرًّبٍ تمكُو لَهُ الأعناقُ
تسمو ، فيتبَعُها ، فَتَهوِى وهوَ فى … آثارِها مَرَّ الشِهابَ حِراقُ
مَذعورة ٌ تَبغِى الفِرارَ مِنَ الردَى … إنَّ الفِرارَ مِنَ المَنونِ وِثاقُ
حَتَّى إذا فَترَت ، وحَطَّ بِها الوَنى … سَقَطَتْ، فَلَيْسَ لِنَفْسِهَا أَرْماقُ
فَأَتَى ، فَمَزَّقَهَا كَمَا حَكَمَ الرَّدَى … وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَرَّة ً إِزْهَاقُ
أَفَذَاكَ، أَمْ ضِرْغَامُ خِيسٍ مُدْهِسٌ … تَنْجَابُ عَنْ أَنْيَابِهِ الأَشْدَاقُ؟
مَنَع الطَّرِيقَ، فَمَا تَجُوسُ خِلاَلَهُ … فِي سَيْرهَا الطُّرَّاقُ وَالْمُرَّاقُ
غَضبانُ ، يَضربُ ذَيلهُ ، ويَلُفُّهُ … مِنْ جَانِبَيْهِ، كَأَنَّهُ مِخْرَاقُ
عَصَفَت عَليهِ النائجاتُ ، وخابَ مِنْ … هامِ الوحوشِ لَهُ حَشاً وصِفاقُ
فَسَمَا، فَأَبْصَرَ رَاعِيَيْنِ تَخَلَّفَا … بِالْعِيرِ، تَصْدَحُ بَيْنَهُنَّ نِيَاقُ
فأجمَّ قُوَّتَهُ ، وشَدَّ بِوثبَة ٍ … صُمُّ الصُخورِ لِوقعِها أفلاقُ
حَتَّى إذا اعترضَ الرِحالَ إذا بِها … يَقِظٌ تَلِينُ لِكَفِّهِ الأَرْزَاقُ
مُتَقلِّدٌ سَيفاً تَرِفُّ مُتونهُ … رَفَّ الْمَصَابِحِ شَفَّهُنَّ لِيَاقُ
فَتَصَاولا ، حَتى إِذا مَا اسْتَنْفَدا … مَا كَانَ عِنْدَهُمَا، وَضَاقَ خِنَاقُ
هَمّا بِبَعْضِهِما ، فَمَاتَا مِيتَة ً … لَهُمَا بِهَا حَتَّى الْمَعَادِ وِفَاقُ
أَمْ أَرْقَشٌ مَرِسٌ يَسِيلُ كَأَنَّهُ … بَيْنَ الْخَمَائِلِ جَدْوَلٌ دَفَّاقُ
يَتَنَاذَرُ الرَاقُونِ سُمَّ لُعَابِهِ … رُعْباً، فَلَيْسَ لِمَسِّهِ دِرْيَاقُ
تَسِمُ الظَّلاَمَ ذُبَالَتَانِ بِرَأْسِهِ … تَقِدَانِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَطْبَاقُ
يَسْرِى فِيَقْتَحِمُ السِرَارَ ، ويَرْتَمى … بِسَنَاهُما الْمُتَنَبّلُ المِرْشَاقُ
تَرَكَ الْوحُوشُ لَهُ الْفَلاَة َ ، وأَغَلَتْ … طَلَبَ النَجَاة ِ ، فَجَمْعُهَا أَحْذَاقُ
حَتى إِذا ظَنَّ الظُنُونَ بِنَفْسِهِ … تِيهاً بِهَا، وَخَلَتْ لَهُ الأَعْمَاقُ
أَنْحَى فَأَقْصَدَهُ الزَّمَانُ بِسَهْمِهِ … إِنَّ الزَمَانَ لَنَا بِلٌ مِيفَاقُ
حِكَمٌ تَحَيّرَت الْبَرِيهُ دُونَهَا … وَتَنَازَعَتْ أَسْبابَها الْحُذَّاقُ
فَاسْمَعْ، فَما كُلُّ الْكَلاَمِ بِطَيِّبٍ … وَلِكُلِّ قَوْلٍ فِي السَّمَاعِ مَذَاقُ
نَزَلَ الْكَلاَمُ إِلى مِنْ شُرُفَاتِهِ … وتَمَثَّلَتْ بِحَدِيثي الاْفَاقُ