سقاها الهوى من راحة ِ الوجد صَرْخَدا … وشَوَّقَها حادي الظعائن إذ حَدا
فظلَّتْ ترامى بين رامة والحمى … وتطوي فيافيها حزوناً وفدفدا
وتشقّها ريحُ الصبا رندَ حاجر … فكادت لفرط الوجد أنْ تتقدا
ولما بَدَتْ أعلامُ دار بذي الفضا … أعاد لها الشوق القديم كما بدا
فلا تأمن الأشجان يجذبن قلبها … متى أَتْهَمَ البرقُ اليماني وأنجدا
ويا سعد خذ بالجزع من أيمنِ اللوى … لعلّي أرى فيها على الحبّ مُسعِدا
وذرها تروّي بالدموع غليلها … وأنّى يبل الدّمع من مغرم صدى
تعالج بالتعليل قلباً معذباً … وتدمي بوبل الدمع طرفاً مسهّداً
وتنصبُّ مثل السيل في كلّ مهمهٍ … فتحسبه من شدة العزم جلمدا
وبي من هوى ميٍّ وإنْ شَطَّ دارها … هوى ً يمنع العشاق أنْ تتجلدا
ولمياء لم تنجز بوعدٍ لمغرم … وهل أنْجَزَتْ ذات الوشاحين موعدا
إذام ادنت ظمياءُ من سربِ لعلع … أرَتْنا الردى من مقلة الريم أسودا
أَلَذُّ بها وصلاً وأشقى بهجرها … ومن عاش بالهجران عاش منكدا
وأبلجُ لولا شعره وجبينه … لما كانت أدري ما الضلال وما الهدى
تدين قلوب العاشقين بالحكمه … على أنَّه قد جار بالحكم واعتدى
فيا عصر ذاك اللّهو هل أنْتَ عائد … ويا ريم ذاك الربع روحي لك الفدا
تركتَ بقلبيم هواك لواعجاً … عَصَيْتُ بها ذاك العذولَ المُفَنِّدا
لحا الله من يلحو محبّاً على الهوى … ولا راح إلاّ بالملام ولا اغتدى
يلوم ويفري بالهوى من يلومه … وكم جاهل رام الصلاح فأفسدا
أخذتْ نصيبي من نعيمٍ ولذة ٍ … وصادَمْتُ آساداً ولاعبت خرّدا
فَطَوْراً أراني في المشارق متهماً … وطوراً أراني في المغارب منجدا
ولا بتُّ أشكو والخطوب تنوشني … زماناً لأهل الفضل من جملة العدى
ولولا شهاب الدين ما اعتزَّ فاضل … ولا نال إلاّ فيه عِزّاً وسؤدداً
فتى المجد يغني بالمكارم ما لَه … ويبقي له الذكر الجميلَ مخلَّدا
إذا فاض منه صدرهُ ويمينه … فخذ من كلا البحرين درّاً منضّدا
وما زال يسمو رفعة ً وتفضُّلاً … ويَجْمَعُ شمل الفضل حتى تفرّدا
رأيت محيّاه البهيَّ ومجده … فشاهدت أبهى ما رأيت وأمجدا
فمن ذا يهنّي الوافدين لبابه … بأكرمَ من أعطى وأرشدَ من هدى
وما کفترَّ عن دُرّ الثنايا تبسُّماً … من البِشر حتى أمطر الكف عسجدا
ومن يكُ أزكى صفوة الله جدّه … فلا غرو أنْ يزكو نجاراً ومحتدا
فيا بحر فضلٍ ما رأيناك مزيداً … ويا مزن جود ما رأيناك مرعدا
أيُطلَبُ إلاّ من مفاخرك العلى … ويسأل إلاّ من أناملك النَّدى
لقد جئت هذا العصر للناس رحمة … فأَصْبَحَ ركنُ الدين فيك مشيّدا
وأَحْيَيْتَ من أرض العراق علومَه … ولولاك كانَ الأمر يا سيّدي سدى
أرى كلّ من يروي ثناءً ومدحة ً … ففيك روى حسن السجايا وأسندا
لك العزّ حار الواصفون بوصفه … وجَلَّتْ معاني ذاته أنْ تُحَدَّدا
إذ ما تَجَلَّتْ منك أدنى بلاغة … تخرُّ الأقلام في الطَّرس سجَّدا
وفيك الندى والفضل قرّت عيونه … ولم يكتحل إلاّ بخطّك إثمدا
تَفَقَّدْتَ أربابَ الكمال جميعَهم … ومن عادة السادات أن تتفقَّدا
وكم نعمة ٍ أسديتها فبذلتها … وصيَّرْتَ أحرار البريّة أعبدا
ولولاك لم أَظْفَر بعزٍّ ولا منى ً … ولا نلت إلاّ من معاليك مقصدا
أسود إذا ما كنتَ مولاي في الورى … ومن كنتَ مولاه فلا زال سيّدا
وما زلتَ كهفاً يُستَظَلُّ بظلِّه … كما لم تزل أيديك للناس موردا
ولا زلت ماكَّر الجديدان سالماً … بجدواك يستغني وفتواك يقتدى