طالَتْ – ولو قَصُرَت يدُ الأعمارِ … لرَمتْ سِواكَ عَظُمْتَ مِنْ مُختارِ
من صفوةٍ لو قيلَ أيٌّ فَذُّهُمْ … لم تَعْدُ شَخْصَكَ أعينُ النُظَّار
لكن أرادتْ أن تحوزَ لنفسها … عَينَ القِلادةِ فازدَرَتْ بنُثار
وأرى المنايا بالذي تختارُهُ … للموتِ عاطلةً ، وذاتَ سِوار
فطوَتْكَ في دَرْج الخُلودِ فعطَّرتْ … بك سالفَ الأحقابِ والآثار
واستنزلَتْكَ لغُربةٍ ولأنتَ مِن … عَلياك في لَجِبٍ من الأنصار
وتجاهَلتْ أنَّ البلادَ بحاجةٍ … لكَ حاجةَ الأعمى إلى الإِبصار
مُدَّتْ من الأُخرى إليك معاصمٌ … مِن رفقةٍ لك قادةٍ أبرار
خُلصاءِ سَعيِكَ في الجْهاد وإخوةٍ … لكَ في الوفاءِ المحضِ والإِيثار
ورفاقُ هذي الدار فيما أسلَفوا … للكاتِبَيْنِ رفاقُ تلكَ الدار
بَكَرَ النَّعِيُّ فما سَمعتُ بمِثْلها … عِبءاً على الأسماعِ والأبصارِ
رَمتِ العَماياتُ العيونَ وصَكَّتِ الأسماعّ … صافرةٌ مِن الإِنذار
وترنَّحَ الأحرارُ يؤذِنُ بَعضُهُمْ … بعضاً بفقدهُمِ أبا الأحرار
لله درُّكُّ مِن نقيٍّ لم يَنَلْ … أذيالَهُ وَضَرٌ مِن الأوضار
في حيثْ تزدحِمُ الشكوكُ وترتَمي … شُبُهاتُها حتَّى على الأخيار
خاضَ السياسةَ وانجلى عن لُجَّها … ألِقَ الجبينِ مكلَّلآً بالغار
في حينَ رامَ سِواه خوضَ عُبابها … فطغى عليه فضاعَ في التَّيار
وصليبُ عُودٍ حينَ بعضُ مُرونةٍ … في ضَعفها خطرٌ مِن الأخطار
وطَريُّ نفسٍ حينَ بعضُ صلابةٍ … في عُقمها حجرٌ مِن الأحجار
وخَفيُّ كيدٍ حيثُ يسمو كائدٌ … ومن المكايدِ جالبٌ للعار
وصريحُ رأيٍ لم يَحِد عن خُطَّةٍ … ليلوذَ من تأويلها بجِدار
حَرْبٌ على مُستعمِرٍ وربيبهِ … ومُسالِمٍ مُستَعْمِراً ومُجاري
أعزِزْ عليَّ ” أبا عزيزٍ ” أنْ أرى … حُضَّارَ حفلِكَ زائغي الأبصارِ
خَلَتِ المحافلُ من عُلاك وأوحشتْ … من بَعْد وجهِكَ ندَوةُ السُمَّار
وتَعَرَّتِ الأنظارُ عن مُستَشرِفٍ … بادي السَّنا ، عالٍ على الأنظار
ولقد يَعِزُّ عليكَ أنَّكَ لا تَرى … في ” الأرْبِعاء ” مواكبَ الزُّوّار
أأبا عزِيزٍ كنتَ تُذكي جذوتي … ويَلَذُّ سَمْعُك مَنطقي وحِواري
غوْثَ الصريخِ ، أتتك تُعوِلُ حُرَّةٌ … حَّراءُ صارخةٌ من الأشعار
هَيَّجتَ منّي أيَّ داءِ كامنٍ … وقدحتَ منّي أيّ َزندٍ واري
قسَماً بيومِكَ والفُراتِ الجْاري … والثورةِ الحمراء والثُّوّار
والأرضِ بالدَّمِ ترتوي عن دِمْنَةٍ … وتَمُجّهُ عن روضةٍ مِعطار
والخيلِ تَزحفُ لم تَدَعْ لمُغيِرها … جثثٌ تُغَطي الأرضَ أيَّ مُغار
قسَماً بتلكَ العاطفاتِ ولم تكُنْ … لي قبلَها من حِلْفةٍ بالنَّار
إنَّ الذينَ عهِدتَهُم حطَبَ الوغى … لولاهُم لم تشتعِل بأوار
والَّلاقِحينَ نَتاجَها بأعزِّ ما … ملَكَتْ يمينٌ من حِمىً وذمار
والداهناتِ دماؤُهم لِمَمَ الثَّرى … والمُؤنساتِ شواطئَ الأنهار
والناحرينَ مِنَ الضَّحايا خيرَ ما … حَمَلَت بُطونُ حرائرٍ أطهار
ما إنْ تَزالُ حقوقُهُمْ كذَويهمُ … في الفَقْر سارحةً معَ الأبقار
وأعزُّ ما تبغي الحلائلُ مِنهمُ … أنْ تُسترَ العَوراتُ بالأطمار
خمسٌ وعشرونَ انقضَتْ وكأنَّها … بشخُوصِها خَبَرٌ منَ الأخبارِ
ضِقنا بها ضيقَ السجينِ بقيدهِ … من فَرْطِ ما حَمَلَتْ من الأوزار
وتَجَهَّمَتْ فيها السماءُ فلم تَجُدْ … للخابطينَ بكوكبٍ سيَّار
شاخَ الشبابُ الطّيبون وجُدّدتْ … فيها شَبيبةُ شِيخةٍ أشرار
وبدا على وَجهِ الحفيدِ وجدِّه … للناظرينَ تقارُبُ الأعمار
مَن كان يحسَبُ أنْ يُمَدَّ بعُمره … حُكْمٌ أقيمَ على أساسٍ هاري؟
مَن الفظاعةِ أنْ تُريدَ رَعيَّةٌ … في ظِلِّ دُستورٍ لها وشِعار
ما يَطلُبُ المأسورُ من يدِ آسرٍ : … إسداءَ عارفةٍ وفَكَّ إسار
ورِوايةٍ حبَكَ الزَّمانُ فُصولَها … فبدَتْ لنا ممسوخةً الأدوار
من شرّ ما اختلقَ الرُّواةُ ،وَلفَّقتْ … حِيلٌ ، وضمَّتْ دَفَّةُ الأسفار
وممثلينَ تصنّعاً ووراءَهمْ … خَلْفَ السِتار مُلّقِنٌ مُتواري
ومفّرِقينَ مَذاهباً وعناصراً … مُتَكَفِّلينَ سياسةَ استعمار
نزلوا على حُكم الغريبِ وعَرَّسوا … في ظِلِّ مأْثَمةٍ له وفَجار
وتحلَّبُوا أوطارَهُ فاذا بها … وَشَلٌ لِما استحلى من الأوطار
واستفرَشَ الشعْبُ الثرى ، ودُروبهُمْ … مملوءةٌ بنُثارةِ الأزهار
وتحَّلأَ الجَمْعُ الظِماءُ ووُكِّلَتْ … أبناؤهم بالوِرد والإِصدار
ذُعِر الجْنوبُ فقيلَ : كيدُ خوارجٍ … وسكا الشَّمالُ فقيلَ : صنْعُ جِوار
وتنابزَ الوَسطُ المُدِلُّ فلم يَدَعْ … بعضٌ لبعضٍ ظِنَّةً لفَخار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ … فرمُوا بكلِّ شنيعةٍ وشَنار
ومشَى المغيثُ على الجياع … – يَقوتهُمْ – وعلى العُراةِ ، بجحفلٍ جرّار
وتساءلَ المتَعَجِّبونَ لحالةٍ … نكراءَ : مَنْ هُم أهلُ هذي الدار؟
هِيَ للصحابةِ مِن بَني الأنصار … من كلِّ بَدريٍّ وكلّ حَواري
للحاكمينَ بأمرِهم عن غَيرِهم … ولصَفْوةِ الأسباطِ والأصهار
من كلِّ غازٍ شامخٍ في صدره … زاهي الوسامِ ، مدِّوخِ الأمصار
هيَ للذينَ لو امتحنتَ بلاءهم … لعجِبتَ من سُخْريَّةِ الأقدار
هي للذي من كلِّ ما يَصِمُ الفتى … كاسٍ ، ومن جُهْدٍ يُشرّفُ عاري
ومُسلَّطٍ لمُسَلَّطينَ مشتْ به الأهواءُ … مِشيةَ مُثقَلٍ بخُمار
نَسِيَ المُعيرَ ولو تذكَّرَ لأنثنى … خَزْيانَ من ثوبٍ عليه مُعار
كم رامَ غيرُكَ مِثلَها فأحلَّهُ … نزَقُ الغُرور بشَرِّ دارِ بَوار
بل لو تذكَّرَ لم يجدْ لضميرهِ … ومصيرهِ عَوناً من التَّذكار
لم يبقَ إلَّا أنْ تُتَمَّمَ خطوةٌ … ويظَلَّ يَلعبُ لاعبٌ بالنار
فلَرُبَّما نفَتِ الشَّكاةَ وقرَّبَتْ … يومَ الخلاصِ سياسةُ الإصرار
أأبا عزيزٍ والحديثُ كما رَوَوا … شَجَنٌ ، ومُرُّ القول عذْبٌ جاري
ومن العواطفِ ما يثورُ ويَغتلي … مثلَ الجحيم ، ويرتمي بشِرار
عَفْواً وإنْ شطَّ المَدى عن غايتي … ونبَتْ جيادُ الشعر عن مِضماري
فلقد تَحَشَّدَتِ البواعثُ واشتكَتْ … صَمْتَ القريض لِفَحْلهِ الهدّار
ولقد عَهِدْتُكَ بالبلاد وأهلِها … جَمَّ الشُجونِ ، مُوزَّعَ الأفكار
ووجدتُ قَدْحَ الذكريات شجيَّةً … بَرْداً لِأفئدةٍ عليك حِرار
وعَرَفتُ أشجاناً يثيرُكَ بَعْثُها … فأثَرْتُهُنَّ فطِرْنَ كُلَّ مطار
إيهٍ شبابَ الرافدين ومَنْ بهم … يرجو العراقُ تَبَلّجَ الأسحار
الحاملِينَ مِنَ الفوادحِ ثِقْلَها … ليسوا بأنكاسٍ ولا أغمار
والَّذائِدينَ عن الحياض إذا انتحَتْ … كُرَبٌ ، ولاذَ مُكابرٌ بفِرار
والباذلينَ عن الكرامة أُرخصَتْ … أغلَى المُهورِ ، وأفدحَ الأسعار
الفَقْرَ إذ طُرقُ الغِنى مفتوحةٌ … والبؤسَ إذ غَدقُ النعيم جواري
ومؤَّججينَ نفوسَهمْ وقُلوبَهمْ … شُعَلاً يسيرُ على هُدها الساري
والحابسينَ زئيرَهم بصدورهم … فإذا انفجرنَ بهِ فأيُّ ضواري
والقانعينَ مِن الحياة رخيَّةً … بلُماظَةٍ ، ومن الكَرى بغرِار
والمغرِياتُ مُراوداتٌ ترتجى … وتَخيبُ ، من عُونٍ ومن أبكار
لا تيأسوا أنْ يَلُحْ مِن ليلةٍ … فجرٌ ، ولم تؤذِنْ بضوءِ نهار
فلئِنْ صَلِيتُمْ مِن هَناةٍ جَمْرها … ومشَيْتُمُ منهنَّ فوق شِفار
فطِوالُ مُحْرِجةِ الأمور وإنْ قَسَتْ … في شِرعةِ التأريخِ جِدُّ قِصار
لا بُدَّ أنْ يَثِبَ الزَّمانُ ، وينثني … حُكمُ الطُغاةِ مُقَلَّمَ الأظفار
وتُجَدِّدَ الأيَّامُ عَهْدَ وصالِها … مِن بَعدِ إعراضٍ لها ونِفار
فهُناك سوفَ يكونُ من زَهَراتِكم … أصفى معارِفها وأطيبُ جار
وهناكَ سوفَ يَرى الغَنيِمةَ معشرٌ … أنْ يُمْسِكُوا من خَلْفِكُمْ بغُبار
فحَذارِ من عُقبى القُنوطِ حذارِ … وبِدارِ للعهدِ الجديدِ بِدار