دَعَوَتُ فؤادي لِلسُّلُوِّ فما أجدى … وظلَّ يخالُ الغيَّ في وجده رشدا
وما أنا من سلمى وسعدى بمأرب … فلا سلمتْ سلمى ولا سعدت سعدى
أقمتُ بأرضٍ غير أرضي وموطني … وما لي في أفنائها أنيقٌ تحدى
وأنفقتُ أيامي على غير طائل … فلا منهلاً عذباً ولا عيشة رغدا
وما اخترطت غير القتاد يدي بها … وغيري جنت من شوكها يده الوردا
تؤخرني الأيّام عّما أريده … فلم تكتسب شكراً ولم تكتسب حمدا
وقد قذفتني في البلاد يد النوى … فلم أُبْقِ غوراً ما وطئت ولا نجدا
نوى ً جمعتني بعد حين بأحمد … سأوسعها شكراً وأحمدها حمدا
من المكرمين الوفد طبعاً وقلّما … رأيتُ بهذا العصر من يكرم الوفدا
قريب من الحسنى سريع إلى الندى … وما برحت إذ ذاك أيدٍ له تندى
ومستجمع للجود إمّا دعوته … دعوت مجيباً قد تهيّأ وکعتدا
إذا مُدّت الأيدي إليه أمدَّها … بجدوى يمين تورثُ الأبحرَ المدّا
كما أنّ جدوى كفِّه يورث الغنى … وقد يورث العلياء والعزَّ والمجدا
يلين لعافيه وإنْ كان قد قسا … زمانٌ على عافيه بالعسر وکشتدا
له هممٌ في المعضلات تخالها … كسمر القنا طعناً وبيض الظبا حدا
يجرّدها في كلّ أمرٍ حلاحلٍ … يقدّ بهنّ الخطب يومئذ قدا
يحل بها عقد الشدائد كلّها … فهل مثله من وُلّي الحلَّ والعقدا
يرى غاية الغايات وهي خفية ٌ … كما قد يرى خيط الصباح إذا امتدا
يضيىء لنا منه شهاب إذا دجا … دُجى ً من خطوب في الحوادث وکسودّا
فنحن أناس لا يشقّ غبارهم … وأحمرة لا تلحق الضمّر الجردا
وهيهات ما بين الثريا إلى الثرى … ألا إنّ فيما بين جمعهما بعدا
ترى نفثات السّحر في كلماته … وتجني بأيدي السمع من لفظه شهدا
سانٌ كحدّ السيف أو كجنابه … به مفحم للخصم ألسنة ً لدا
وهاهو في حدّ الكلام وهزله … يصوغ من الألفاظ ما يشبه العقدا
أماناً من الأيام أمسى ولاؤه … يلاحظ وقد الكلّ من يده الرفدا
وها أنا منه حيث طاشت سهامها … لبست به عن كلّ نائبة سردا
وأشكر منه أيدياً تخجل الحي … ويترك حرَّ القوم إحسانُه عبدا
عليَّ له فضل قديم وأنعمٌ … إذا عدِّدتْ لا أستطيع لها عدا
وأسدى من المعروف ما هو أهله … إليَّ وكم من نعمة منه قد أسدى
سأقضي ولن أقضي له حق شكره … وإنْ أعجزَ العبَد القضاءُ فما أدّى
وأُهدي ثنائي ما استطعت لمجده … وما غيره عندي لعلياه ما يهدى