دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ … ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ … ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ
وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ … وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ
وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً … على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ
حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ … لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ
وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي … طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً … من الشوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى … إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ … وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتهي … بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه … فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ … يرى المدح عاراً قبل بَذْل المثَاوبِ
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما … قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ … وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها … وأستارُ غَيْب اللّهِ دونَ العواقبِ
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي … ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ
ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبةٍ … رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ
وصبري على الإقتار أيسرُ مَحْملاً … عليَّ مِنَ التغرير بعد التجاربِ
لقِيتُ من البَرِّ التّباريحَ بعدما … لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْرةٍ … شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ
ولم أُسْقَها بل ساقَها لمكيدتي … تَحامُق دهرٍ جَدَّ بي كالمُلاعبِ
إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه … يُعابثني مذ كنت غيرَ مُطائبِ
أبَى أن يُغيثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ … برحلي أتاها بالغُيوثِ السواكبِ
سقى الأرضَ من أجلي فأضحتْ مَزِلَّةً … تَمايَلُ صاحيها تمايُلَ شاربِ
لتعويقِ سيري أو دحوضِ مَطيَّتي … وإخصابِ مُزوَّرٍ عن المجد ناكبِ
فملتُ إلى خانٍ مُرثٍّ بناؤُه … مميلَ غريقِ الثوب لهفانَ لاغِبِ
فلم ألقَ فيه مُستراحاً لمُتعَبٍ … ولا نُزُلاً أيانَ ذاك لساغِبِ
فما زلتُ في خوفٍ وجوعٍ ووحشةٍ … وفي سَهَرٍ يستغرقُ الليلَ واصبِ
يؤرِّقني سَقْفٌ كأّنيَ تحته … من الوكفِ تحت المُدْجِنات الهواضبِ
تراهُ إذا ما الطينُ أثقلَ متنَهُ … تَصِرُّ نواحيه صريرَ الجنادبِ
وكم خَانِ سَفْرٍ خَانَ فانقضَّ فوقهم … كما انقضَّ صقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولم أنسَ ما لاقيتُ أيامَ صحوِهِ … من الصّرِّ فيه والثلوج الأشاهبِ
وما زال ضاحِي البَرِّ يضربُ أهلَهُ … بسوطَيْ عذابٍ جامدٍ بعد ذائبِ
فإن فاته قَطْرٌ وثلج فإنه … رَهين بسافٍ تارةً أو بحاصبِ
فذاك بلاءُ البرِّ عنديَ شاتياً … وكم ليَ من صيفٍ به ذي مثالبِ
ألا رُبَّ نارٍ بالفضاء اصطليتُها … منَ الشَّمسِ يودي لَفْحُهَا بالحواجبِ
إذا ظلتِ البيداءُ تطفو إِكامُها … وترسُبُ في غَمْرٍ من الآلِ ناضبِ
فدعْ عنك ذكرَ البَرِّ إني رأيتُهُ … لمن خاف هولَ البحر شَرَّ المَهاربِ
كِلا نُزُلَيْهِ صيفُهُ وشتاؤُهُ … خلافٌ لما أهواهُ غيرُ مُصاقبِ
لُهاثٌ مُميتٌ تحت بيضاءَ سُخْنَةٍ … وَرِيٌّ مُفيتٌ تحت أسْحَمَ صائبِ
يجفُّ إذا ما أصبح الرّيقُ عاصباً … ويُغدقُ لي والرّيق ليس بعاصبِ
ويمنع منّي الماءَ واللَّوحُ جاهدٌ … ويُغرِقني والريُّ رَطْبُ المحَالِب
وما زال يَبغيني الحتوفَ مُوارِباً … يحوم على قتلي وغيرَ مُواربِ
فطوراً يُغاديني بلصٍّ مُصَلِّتٍ … وطوراً يُمَسّيني بورْدِ الشَّواربِ
إلى أنْ وقاني اللَّه محذورَ شرّهِ … بعزتِهِ واللَّه أَغلب غالبِ
فأفلتُّ من ذُؤبانهِ وأُسودِهِ … وحُرَّابِهِ إفلاتَ أَتوب تائبِ
وأما بلاءُ البحر عندي فإنه … فإنه طواني على روع مع الروح واقب
ولو ثاب عقلي لم أدعْ ذكرَ بعضهِ … ولكنه من هولِهِ غيرُ ثائب
وَلِمْ لا ولو أُلقيتُ فيه وصخرة ً … لوافيتُ منه القعرَ أولَ راسبِ
ولم أتعلم قط من ذي سباحة ٍ … سوى الغوص، والمضعوف غيرُ مغالِبِ
فأيسر إشفاقي من الماء أنني … أمرّ به في الكوز مرَّ المجانب
وأخشى الردى منه على كل شارب … فكيف بأمنيه على نفس راكب
أظلّ إذا هزته ريح ولألأت … له الشمسُ أمواجاً طِوالَ الغواربِ
كأني أرى فيهنّ فُرسانَ بُهمة ٍ … يليحون نحوي بالسيوف القواضب
فأن قلت لي قد يُركَب اليّمُ طامياً … ودجلة عند اليّم بعض المذانب
فلا عذرَ فيها لامرء هاب مثلها … وفي اللجة الخضراء عذرٌ لهائب
فإنّ احتجاجي عنك ليس بنائمٍ … وإن بياني ليس عني بعازبِ
لدجلة َ خَبٌّ ليس لليمِّ، إنها … تَراءى بحلمٍ تحته جهْلُ واثب
تطامنُ حتى تطمئنَّ قلوبُنا … وتغضب من مزح الرياح الواعب
وأَجرافُها رهْنٌ بكلِّ خيانةٍ … وغَدْرٍ ففيها كُلُّ عَيْبٍ لِعائبِ
ترانا إذا هاجتْ بها الرِّيحُ هَيْجةً … نُزَلزَلُ في حَوماتها بالقواربِ
نُوائل من زلزالها نحو خسفها … فلا خير في أوساطها والجوانب
زلازل موج في غمار زواخرٍ … وهدَّاتُ خَسْفٍ في شطوطٍ خواربِ
ولليمِّ إعذارٌ بعرضِ متونِهِ … وما فيه من آذيِّهِ المتراكبِ
ولستَ تراهُ في الرياحِ مزلزلاً … بما فيه إِلّا في الشداد الغوالبِ
وإنْ خيفَ موجٌ عيذ منه بساحلٍ … خليٍ من الأجراف ذات الكباكب
ويلفظ ما فيه فليس معاجلاً … غريقاً بغتٍّ يُزهقُ النفسَ كاربِ
يعللُ غرقاهُ إلى أن يُغيثَهم … بصنعٍ لطيفٍ منه خيرِ مصاحَبِ
فتلقى الدلافين الكريمَ طباعُها … هناك رِعالاً عند نَكبِ النواكبِ
مراكبَ للقومِ الذين كبا بهم … فهم وسطه غرقى وهم في مراكب
وينقضُ ألواحَ السفينِ فكُلُّها … فمن ساد قوماً أوجب الطولَ أن يُرى
وما أنا بالراضي عن البحر مركبا … ولكنني عارضتُ شَغْبَ المشاغبِ
صدقْتُك عن نفسي وأنت مُراغمي … وموضعُ سري دون أدنى الأقاربِ
وجرَّبتُ حتى ما أرى الدهرَ مُغرِباً … عليّ بشيءٍ لم يقعْ في تجاربي
أرى المرءَ مذ يلقى الترابَ بوجهِهِ … إلى أن يُوارَى فيه رهن النوائبِ
ولو لم يُصَبْ إِلّا بشرخِ شبابِهِ … لكان قد استوفى جميعَ المصائبِ
ومن صَدَق الأخيارَ داوَوْا سقامَهُ … بصِحَّةِ آراءٍ ويُمْنِ نَقائبِ
وما زال صدقُ المستشير معاوناً … على الرأي لُبَّ المستشار المحازِبِ
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضّنى … من البرء داءُ المستطِبِّ المكاذبِ
فلا تنصبنَّ الحربَ لي بملامتي … وأنت سلاحي في حروب النوائبِ
وأجدى من التعنيف حسنُ معونةٍ … برأيٍ ولينٍ من خطابِ المخاطبِ
وفي النصح خيرٌ من نصيحٍ مُوادِعٍ … ولا خيرَ فيهِ من نصيحٍ مُواثبِ
ومثليَ محتاجٌ إلى ذي سماحةٍ … كريمِ السجايا أريحيِّ الضرائبِ
يلينُ على أهلِ التسحُّب مَسُّهُ … ويقضي لهم عند اقتراح الرغائبِ
له نائلٌ ما زال طالبَ طالبٍ … ومرتادَ مرتادٍ وخاطبَ خاطبِ
ألا ماجدُ الأخلاقِ حُرٌّ فَعالُهُ … تُباري عطاياهُ عطايا السحائبِ
كمثل أبي العباس إنَّ نوالَهُ … نوال الحيا يسعى إلى كلِّ طالبِ
يُسيِّر نحوي عُرْفَهُ فيزورني … هنيئاً ولم أركبْ صعابَ المراكبِ
يَسير إلى مُمتاحه فيجودُهُ … ويكفي أخا الإمحال زَمَّ الركائبِ
ومن يكُ مثلاً للحيا في عُلُوِّهِ … يكنْ مثلَهُ في جودهِ بالمواهبِ
وإنَّ نِفاري منه وهو يُريغني … لَشيءٌ لرأي فيه غيرُ مناسبِ
وإن قعودي عنهُ خيفةَ نكبةٍ … لَلؤمُ مَهَزٍّ وانثناءُ مَضاربِ
أُقرُّ على نفسي بعيبي لأنني … أرى الصدقَ يمحو بَيّنات المعايبِ
لَؤُمْتُ لَعمر اللَّه فيما أَتيتُهُ … وإن كنتُ من قومٍ كرام المناصِبِ
لهم حِلْمُ إنسٍ في عَرامة جِنّةٍ … وبأسُ أُسودٍ في دهاء ثعالبِ
يصولون بالأيدي إذا الحربُ أَعملتْ … سيوفَ سُريجٍ بعد أرماح زاعبِ
ولا بد من أن يَلؤُم المرءُ نازعاً … إلى الحَمَأ المسنونِ ضربة لازبِ
فقل لأبي العباس لُقِّيتَ وجهَهُ … وحَسْبُك مني تلك دعوةَ صاحبِ
أمَا حقُّ حامي عِرض مثلك أن يُرى … له الرفدُ والترفيهُ أَوْجَبَ واجبِ
أَمِنْ بعدِ ما لم تَرْعَ للمالِ حرمةً … وأسلمتَهُ للجود غيرَ مُجاذبِ
فأعطيتَ ذا سلمٍ وحربٍ وَوُصلةٍ … وذنبٍ عطايا أدركتْ كلَّ هاربِ
ولم تُشخِصِ العافين لكنْ أتتهُمُ … لُهاك جَليباتٍ لأكرمِ جالبِ
عليماً بأنّ الظَّعْنَ فيه مشقّةٌ … وأنّ أَمرَّ الربح ربحُ الجلائبِ
تُكلّفني هولَ السِّفارِ وغولَهُ … رفيقَ شتاءٍ مُقْفعِلَّ الرواجبِ
ولاسيّما حين ارتدى الماءُ كِبْرَهُ … وشاغَب أنفاسَ الصَّبا والجنائبِ
وهرَّتْ على مُستطرِقي البَرَّ قَرَّةٌ … يَمسُّ أذاها دونَ لوثِ العصائبِ
كأن تمامَ الودِّ والمدح كلَّهُ … هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ
لعمري لئن حاسَبْتني في مثوبتي … بخفضي لقد أجريتَ عادةَ حاسبِ
حَنانَيْك قد أيقنتُ أنك كاتبٌ … له رتبةٌ تعلو به كلَّ كاتبِ
فدعني من حكمِ الكتابة إنهُ … عدوٌ لحكم الشعر غيرُ مقارِبِ
وإِلّا فلَم يستعملِ العدلَ جاعلٌ … أَجَدَّ مُجدٍّ قِرْنَ أَلعبِ لاعبِ
أيعزُبُ عنك الرأيُ في أن تُثيبني … مقيماً مصوناً عن عناء المطالبِ
فتُلفى وأُلفَى بين صافي صنيعةٍ … وصافي ثناءٍ لم يُشَبْ بالمعاتِبِ
وتخرج من أحكام قومٍ تشدّدوا … فقد جعلوا آلاءهم كالمصائبِ
أيذهبُ هذا عنك يا ابن محمدٍ … وأنت مَعاذٌ في الأمور الحوازبِ
لك الرأي والجودُ اللذان كلاهما … زعيمٌ بكشف المطبِقات الكواربِ
وما زلت ذا ضوء نوءٍ لمجدبٍ … وحيرانَ حتى قيل بعضُ الكواكبِ
تغيث وتَهدي عند جدبٍ وحيرةٍ … بمحتفل ثَرٍّ وأزهر ثاقِبِ
وأحسُن عرفٍ موقعاً ما تنالُهُ … يدي وغُرابي بالنوى غيرُ ناعبِ
أراك متى ثَوَّبتني في رفاهةٍ … زففتَ إليَّ المُلْكَ بين الكتائبِ
وأنت متى ثوَّبتني في مشقّةٍ … رأيتك في شخصِ المُثيب المعاقِبِ
ولو لم يكن في العرف صافٍ مهنّأٌ … وذو كَدَرٍ والعرفُ شتَّى المَشاربِ
إذاً لم يقل أعلى النوابغِ رتبةً … لمِقوَلِ غَسّانِ الملوكِ الأَشايبِ
عليَّ لعمروٍ نعمةٌ بعدَ نعمةٍ … لوالِده ليستْ بذات عقاربِ
وما عقربٌ أدهَى من البين إنه … له لَسْعةٌ بين الحشا والترائبِ
ومن أجل ما راعى من البين قوله … كليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصبِ
أبيتَ سوى تكلِيفك العرفَ مُعْفِياً … به صافياً من مؤذيات الشوائبِ
بل المجدُ يأبي غيرَ سَوْمِك نفسَهُ … ورفعِك عن طود المُنيل المحاسبِ
فصبراً على تحميلك الثِّقلَ كلَّهُ … وإن عزَّ تحميلُ القرومِ المَصاعبِ
ولا يعجبنَّ الناسُ من سعي متعَبٍ … مُشيحٍ لجدوى مستريح مُداعبِ
فمن ساد قوماً أوجب الطولُ أن يُرى … مُجِدّاً لأدناهُمْ وهم في الملاعبِ
ومن لم يزل في مَصْعَدِ المجد راقياً … صعابَ المَراقي نال عُليا المراتبِ
ألم ترني أتعبتُ فكري مُحكِّكاً … لك الشعرَ كي لا أُبتلى بالمتاعبِ
نَحلتُك حَلْياً من مديحٍ كأنه … هَوى كلِّ صبٍّ من عِناق الحبائبِ
أنيقاً حقيقاً أن تكون حِقاقُهُ … من الدرّ لا بل من ثُدِيِّ الكواعبِ
وأنت له أهلٌ فإن تجْزني به … أزِدْك وإن تُمْسِكْ أقفْ غيرَ عاتِب
فإن سَألتْنِي عنك يوماً عصابةٌ … شهدتُ على نفسي بسوء المناقبِ
وقلت دعاني للندى فأتيتُهُ … فأمسكَهُ بل بثَّهُ في المناهبِ
وما احتجزتْ مني لُهاهُ بحاجزٍ … ولا احتجبتْ عني هناك بحاجبِ
ولكن تَصدَّتْ وانحرفتُ لحرفتي … ففاءت ولم تظلِم إلى خيرِ واهبِ
وما قلت إلا الحقَّ فيك ولم تزل … على منهجٍ من سُنّةِ المجد لاحبِ
وإني لأشقَى الناس إن زُرَّ ملبسي … على إثمِ أفَّاكٍ وحسرةِ خائبِ
وكنتَ الفتى الحرَّ الذي فيه شيمةٌ … تَشيم عن الأحرار حدَّ المَخالبِ
ولست كمن يعدو وفي كلماتِهِ … تظلُّمُ مغصوبٍ وعدوانُ غاصبِ
يحاول معروفَ الرجالِ وإن أَبوْا … تعدَّى على أعراضهم كالمُكالبِ
وأصبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً … شكايَة مسلوبٍ وتسليطَ سالبِ
فلا تَحرمنّي كي تُجِدَّ عجيبةً … لقومٍ فحسبُ الناس ماضي العجائبِ
ولا تنتقصْ من قدر حظّي إقامتي … سألتك بالداعين بين الأَخاشبِ
وما اعتقلتني رغبةٌ عنك يَمَّمت … سواك ولكن أيُّ رهبة راهبِ
كأني أرى بالظعن طعنَ مُطاعِنٍ … وبالضرب في الأقطار ضربَ مضاربِ
وليس جزائي أن أَخيب لأنني … جَبُنْتُ ولم أُخْلَق عتادَ مُحارِبِ
يُطَالبُ بالإقدام من عُدَّ مُحْرَباً … وسُمِّي مذ ناغى بقودِ المَقانبِ
ولم يمشِ قيدَ الشبرِ إلا وفوقه … عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ
فأمَّا فتىً ذو حكمةٍ وبلاغةٍ … فطالبْهُ بالتسديد وسط المَخاطبِ
أَثبني ورَفِّهني وأَجزلْ مثوبتي … وثابرْ على إدرارِ بِرِّي وواظبِ
لتأتيني جدواك وهي سليمةٌ … من العيب ما فيها اعتلالٌ لعائبِ
أثقِّلُ إدلالي لتحملَ ثِقْلَهُ … بطوع المُراضي لا بكرهِ المغاضبِ
وما طلبُ الرِّفْد الهَنيء ببدعةٍ … ولا عجبُ المُسترفدِيهِ بعاجبِ
وذاك مَزيدٌ في معاليك كلُّهُ … وفي صدقِ هاتيك القوافي السواربِ
وما حَقُّ باغيك المزيدَ انتقاصُهُ … ولاسيما والمالُ جَمُّ الحلائبِ
وأنت الذي يضحي وأدنى عطائِهِ … بلوغُ الأماني بل قضاءُ المآربِ
وتوزَنُ بالأموال آمالُ وفدِهِ … وإرفادُ قومٍ بالظنون الكواذبِ
أقمتُ لكي تزدادَ نعماك نعمةً … وتَغْنَى بوجهٍ ناضرٍ غيرِ شاحبِ
وكي لا يقولَ القائلون أثابَهُ … وعاقَبَهُ والقولُ جَمَّ المَشاعِبِ
وصَوْني عن التهجين عُرفَك موجِبٌ … مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ
بوجهك أضحى كلُّ شيءٍ منوراً … وأبرزَ وجهاً ضاحكاً غيرَ قاطبِ
فلا تبتذلْهُ في المَغاضب ظالماً … فلم تؤتَ وجهاً مثله للمغاضبِ
نشرت على الدنيا شعاعاً أضاءها … وكانت ظلاماً مُدلهِمَّ الغياهبِ
كأنك تلقاءَ الخليقةِ كلّها … مشارقُ شمسٍ أشرقتْ لمغاربِ
لِيَهنِ فتىً أطراك أنْ نال سُؤْلَهُ … لديك وأنْ لم يحتقِب وِزْرَ كاذبِ
رضا اللّهِ في تلك الحقائب والغنى … جميعاً ألا فوزاً لتلك الحقائبِ
كأني أراني قائلاً إنْ أعانني … نداك على ريب الخطوب الروائبِ
جُزيتَ العلا من مستغاثٍ أجابني … جوابَ ضَحوكِ البرقِ داني الهيادبِ
وفي مُستماحي العرفِ بارقُ خُلَّبٍ … ولامعُ رقراقٍ ونارُ حُباحبِ
تسحّبتُ في شعري ولان لجلدتي … ثراه فما استخشنتُ مسَّ المسَاحبِ
وليس عجيباً أن ينوبَ تكرُّمٌ … غذيتُ به عن آمِلٍ لك غائبِ
أقمْهُ مُقامي ناطقاً بمدائحي … لديك وقد صدّرتها بالمنَاسبِ
ذماميَ تَرْعَى لا ذمامَ سفينة … وحَقِّيَ لا حقَّ القِلاصِ الذَّعالبِ
وفي الناس أيقاظٌ لكل كريمةٍ … كأنهمُ العِقبانُ فوقَ المَراقبِ
يُراعون أمثالي فيستنقذونهم … وهم في كروبٍ جمّةٍ وذَباذبِ
إلى اللَّه أشكو غُمّةً لا صباحُها … يُنير ولا تنجاب عني بجائب
نُشوبَ الشَّجا في الحلق لا هو سائغ … ولا هو ملفوظ كذا كلُّ ناشِب