دعاه إلى الهوى داعي التّصابي … فراح يذكر أيّام الشباب
يذيل مدامعاً قد أرسَلَتها … لواعج فرط حزن واكتئاب
وأبصره العذول كما تراه … بما قاسى شديد الاضطراب
وفي أحشائه وجدٌ كمينٌ … يغذّبه بأنواع العذاب
فلام ولم يصب باللّوم رشداً … وكان العذر أهدى للصواب
جفته الغانيات وقد جفاها … فلا وصل من البيض الكعاب
وكان يروعه من قبل هذا … هوى سلمى وزينب والرباب
يروع إلى الدمى صابٍ إليها … ويأنس في أوانها العراب
أعيدي النَّوح يا ورقاء حتى … كأنكِ قد شكوتكِ بعض ما بي
بكيت وما بكيت لفقد إلفٍ … على أني أصبتُ ولم تُصابي
وذكّرني وميض البرق ثغراً … برود الشرب خمري الرضاب
وما أظمأك يا كبدي غليلاً … إلى رشف الثنايات العذاب
أتنسى يا هذيم غداة عُجنا … على ربع نهاب للذهاب
فَأوْقَفْنا المطيَّ على رسوم … كآثار الكتاب من الكتاب
وأطلال لميَّة َ باليات … بكت أطلالَها مقلُ السحاب
نسائلها عن النائين عنها … فتعجز يا هذيم عن الجواب
هنالك كانت العبرات منا … خضاباً أو تنوب عن الخضاب
أمنّي النفس بعد ذهاب قومي … بما يرجو المفارق من إياب
ذريني يا أميم من الأماني … فما كانت خلا وعد كذاب
ذريني أصحبِ الفلوات إنّي … رأيتُ الجدَّ أوفقَ بالطلاب
فما لي يا أميمة في خمول … يطول به مع الدنيا عتابي
سقيم بين ظهراني أناسٍ … أروم بهم شراباً من سراب
يجنبّني نداهم صَون عرضي … وتركي للدنيّة واجتنابي
وكم لي فيهمُ من قارصات … وما نفدت سهام من جعابي
سأرسلها وإنْ كانت حثياً … عليها من أباة الضيم آبي
وإنّي مثلما علمت سعادٌ … وقورُ الجأش مِقْلاقُ الركاب
وأدَّرع القتام لكلّ هول … كما أغمدت سيفاً في قراب
وأصحبُ كلّ مُبْيض السجايا … وجنح الليل مسوّد الاهاب
ليأخذ من أحاديثي حديثاً … غنياً عن معاطاة الشراب
بمدح محمَّدٍ ربّ المعالي … ورائق صفوة الحسب اللباب
وها أنا لا أزال الدهر أثني … عليه بالثناء المستطاب
فأطرب فيه لا طرب الأغاني … وكأس الراح ترقص بالحباب
إذا دارٌ نَبَتْ بي رحَّلَتها … عزائم باسل عالي الجناب
أطرّزُ باسمه بُرْدَ القوافي … كوشي البرد طرز بالذهاب
وفيه تنزل الحاجات منا … وتنزل في منازله الرحاب
إذا آب الرجاءُ إليه لاقى … بساحة مجده حسن المآب
تواضع وهو عالي القدر سامٍ … ولا عجبٌ هو ابنُ أبي تراب
يشرفني إذا أدنيت منه … شريف من ذؤابة آل بيتٍ
وفيما بيننا والفضل قربى … من العرفان والنسب القراب
أهيم بمدحه في كل وادٍ … وأقرع في ثناه كل باب
إلى حضراته الأمداح تجبى … ومن ثم انتمى فيها لجابي
يرغّب فضله الفضلاء فيه … ويطمعهم بأيديه الرغاب
عطاء ليس يسبقه مطال … وقد يعطي الكثير بلا حساب
وينفق في سبيل الله مالاً … لأبناء السبيل وفي الرقاب
جزى الله الوزير الخير عنا … وأجزاه بأضعاف الثواب
فقد سَرَّ العراقَ ومَن عَليها … بقاضٍ لا يروغ ولا يحابي
وأبقى الله للإسلام شيخاً … به دفع المصاب عن المصاب
بمثل قضائه فصل القضايا … ومثل خطابه فصل الخطاب
أطلّوا بالعلاء على البرايا … كما طلّ الجبال على الروابي
ليهنك أنت يا بغداد منه … بطلعة حسن مرجوٍ مهاب
أقام العدل في الزوراء حتى … وجدنا الشاء يأنس بالذئاب
وأنى لا يطاع الحق فيها … ولا تجري الأمور على الصواب
وسيف الله في يد هاشميّ … صقال المتن مشحوذ الذباب
خروجك من دمشق الشام ضاهى … خروج العضب أصلت للضراب
وجئت مجيء سيل الطمّ حتى … لقد بلغ الروابي والزوابي
بعلم منك زخّار العباب … وفضل منك ملآن الوطاب
فمن هذا ومن هذا جميعاً … أتيت الناس بالعجب العجاب
فلا أفلتْ نجومك في مغيب … ولا حُجِبَتْ شموسُك في ضباب