عِندَما تَهدأ النفوس في السَحر
لا نسمعُ إلا هَمسات أنفاس الأحباب
الليل ينشره.. ضياء القمر
من الاجسادِ النيرة في كلِ رُكنٍ تنتشر
على طرقاتِ بلدي الحزين يئن فيه الضوء المُنكسر
ويكتسب من جسم آخر.. شُعاع كضوء القمر
تلملم أجسادهم الطاهرة بتَجلي
وترقد في هدوءِ الليل في وسطِ النهار
على جسرِ الأحبة من براعمِ الطُهر
هادئة..
تملأها الغُبار من يدِ الكفر
أراهم ناموا في صمتِ و الأعطار
كما الأزهار
كالريحان الحاني على أرضٍ جرداء
والصمت ينأى و الفضاء
وانا..
أصرخ من اعماقي لأعماقي
وقلبي بركان يتفجر
ماذا أبتغى لنا الدهر؟؟
ها هم الأوباش يُصافحون الأعداء
والأم تصرخ لنبلِ الشباب ينصهر
والشيخ يبحث عن حفيد ٍقد دثر
لا أثر
لا أثر
صرخات
طلقات
نيران من كلِ جانب
لا شئ غير طيور تقاتل ذئاب الليل
تمزق ثياب الليل ليولد الفجر
والشعب يموت فقر
وبيوت في ظلامِ الفجر تنتشل
ماذا عساني أن أفعل يا قلبي المهموم ؟؟؟
الغرباء ملأى بلادي الحبيب
وأنا فيه غريب
ووَطني صار غَريب يئن جراحه المثقل
لحباتِ الرمال
لحبيباتِ الهواء
لا هواء فيه غير الغبار
الغبار ينزفُ منه الدماء
والدماء تسقي الجداول والأنهار
فتنبت أزهاراً جديدة الألوان
وعطرٌ مختلف المذاق
فتشرب منه السواقي والجداول والبحار
وبحري يصارع الأمواج
أجرجر أنفاسي المثقلة بالأحزان
المتعبة من ضجيج الأوجاع على صدري
أنا وقاربي الصغير
آهٍ رباه قد ضل قاربي الطريق
و راحَ الموج يثور بصرخة البكاء المبرح
على أرض الضعفاء
كل شئ غريب
الماء
الهواء
السماء
التراب
الطين الذي كان طينا صار ينأى المياه
وتهشم الصلصال
وقاربي الصغير
يبكي جراح أحبتي
أهلي
إخوتي
أطفال وطني.. من عبث أنامل الغرباء
فلم تنم أعيننا
نَبحثُ بلهفةِ الشوق المُستعر في مواقد القلوب
نَبحثُ الحب والدفئ في ضوء البشر
لا ضياء
غمائم سوداء
غُبار
عُتمة الرُوح في البُوئر
راحَ قاربي يجدف سواد الليل
يجدف أمواج الليل الحالك
يفتقد النوارس والطيور والزهور النائمة
أصرخ و الصمت يصرخ و يتمتم
عتمة
غبراء
صحراء
بيداء تلك النفوس الظالمة
قفراء جوفاء خاوية
تقلع الزنابق وتضرب الأجراس في الوتر
أصرخ أُنادي عِشي الدافئ الحزين
ويلاه بيتي الحنين
وشباك نخلتي.. وزيتونتي وورد الياسمين
يا زهرة وطني
يا تربة حديقتي
يا دميتي الخشبية .. مازالت وحدها على شرفة بيتي تنتظرني
وجريا أجدف بزورقي في دروب التيه
وقلبي ينزف جمرة الشوق
أُنادي وطني الجريح
أبحثُ عن لُغتي التي صارَ الضاد فيه غريب
وعين.. أذبلت فيه الدموع
والراء.. رَكبه الشراع للقلوع
والباء.. قد حلت بساحلها الغرباء
جفت الديار تبكي المطر
وأرصفة مدينتي تجثو و الثغور الحالمة
تنام على زبد الكلام المغمس بالعسل
ووعود زائفة
تحلم برغيف العيش المدور كالبدر
فقر فقر
الدنيا تمطر الفقر
والوعد ما زال معلقا في دفاتر القضاة ينتظر ساعة الصفر
تغلق في عتمة النهار
وأعوام تترى تمضي وتمضي
تموت القضية ويدفن الخبر
يا ويلاه
يا خيبتاه
قد باعت لغتي
عروبتي
وبيتي التي كنت أرمي به أثقال تعبي
من عناء رحلتي
وشقاء نفسي
قد باعوا المياه ..الأبار..الأنهار
حبات التراب.. حتى البلابل والهواء
بكيتُ وبكى الجراح معي منتزعاً قلبي من اضلعي
مناديا الله اكبر وطني
ما عادت المآذن تغردُ
وكنائس خمدت فيها أجراس الفرح
وجفت أدمعي في المقل
ووجع يوخزني وينتزع مني بقايا فؤادي
عانيت غربتي
عانيت وأنا الملم بالساعات والثواني
هل يا ترى سينزل المطر؟
ليغسل الغبار ويولد الفجر من جديد
أم سأندس في بؤرة التاريخ مقفل في عواصف الزمان
ام سارحل من غربتي لغربتي في المهجر وحيد
يالعذاب مدينتي
يالعذاب أحبتي
يا لعذاب لغتي
يا لعذاب نفسي من مصاب نفسي
ترنم لغة الأحزان وهي تزول مع خيوط الشمس الذهبية
تسحب ببطئ معاها أللوان سمائي القمرية
تبتعد وتبتعد وتبتعد
في بحار الشوق المنسية
خلف الأمواج العتية
وقبل أن يختفي قاربي الصغير
هناك صوت شجي يصدح من علياء
يلاحقني
يضرب أوتاري
يناشدني .. لا ترحل
لا تختبئ ولا تفر من العواصف الوحشية
من ذا سيسمع أشجاني ؟
من ذا سيحمل آلامي ؟
لا تتركني مع الغرباء
أنت وحدك ستصدح من علياء اللاعلياء
بصوتك الشجي الحاني
في وديان وروابي الوطن.. يهدهد مثل مطر ليلي
مثل مشكات سماواتي
أرواح البؤساء
أرواح الغرباء .