حيّ الشآم مهندا و كتابا … و الغوطة الخضراء و المحرابا
ليست قبابا ما رأيت و إنّما … عزم تمرّد فاستطال قبابا
فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا … للعلى سكنت حصى و ترابا
و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا … يستعطف التلعات و الأعشابا
روح أطلّ من السماء عشية … فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا
و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته … تنساب من وجد به منسابا
با أدمع حور الجنان ذرفنها … شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا … و بنى النهى فترشّفوك رضابا
مرت بك الأدهار لم تخبث ولم … تفسد وكم خبث الزمان وطابا
بأبي و أمّي في العراء موسّد … بعث الحياة مطامعا و رابا
لما ثوى في ميسلون ترنّحت … هضباتها و تنفّست أطيابا
و أتى النجوم حديثه فتهافتت … لتقوم حرّاسا له حجّابا
ما كان يوسف واحدا بل موكبا … للنور غلغل في الشموس فغابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى … كي لا يرى في جلّق الأغرابا
و إذا نبا العيش الكريم بماجد … حرّ رأى الموت الكريم صوابا
إنّي لأزهى بالفتى و أحبه … يهوى الحياة مشقّة و صعابا
و يضوع عطرا كلما شدّ الأسى … بيديه يعرك قلبه الوثّابا
و يسيل ماء إن حواه فدفد … و إذا طواه الليل شعّ شهابا
و إذا العواصف حجّبت وجه السما … جدل العواصف للسما أسبابا
و إذا تقوّض صرح آمال بنى … أملا جديدا من رجاء خابا
فابن الكوكب كلّ أفق أفقه … وابن الضراغم ليس يعدم غابا
عجبا لقومي و العدوّ ببابهم … كيف استطابوا اللّهو و الألعابا ؟
و تخاذلت أسيافهم عن سحقه … في حين كان النصر منهم قابا
تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا … يا سيف ليتك ما وجدت قرابا
دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة … حشدت عليك أراقما و ذئابا
فالبس لها ماء الحديد مطارفا … واجهل لسانك مخلبا أو نابا
لا شرع في الغابات إلاّ شرعها … فدع الكلام شكاية و عتابا
هذي هي الدنيا التي أحببتها … و سقيت غيرك حبّها أكوابا
و ضحكت مع أحلامها ، و بكيت في … آلامها ، و جرعت معها الصّابا
و أضلّ روحك في السرى و أضلّها … ما خلته ماء فكان سرابا
و نظرت ، و الأوصاب تنهش قلبها ، … فرأيت كلّ لذاذة أوصابا
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى … لا يبصرون سوى نهاه خرابا
دنيا تألّق أمسها في يومها … فاستجمع الأنساب و الأحسابا
و سرى سناء الوحي من آفاقها … يغشى العصور و يغمر الأحقابا
ألحقّ ما رفعت به جدرانها … و الخير ما زانت به الأبوابا
فاستنطق التاريخ هل في سفره … مجد يضاهي مجدها الخلّابا ؟
شابت حضارات ، و دالت و انطوت … أمم ، و مجد أميّة ما شابا
الأمس كان لها و إنّ لها غدا … تتلفّت الدنيا له إعجابا
غنّيت من قبل المحولة و العرا … أفلا تغنّي الروضة المخصابا ؟
عطفت لياليها عليك بشاشة … فانس الليالي غربة و عذابا
وانشر جناحك فالفضاء منوّر … و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا
فلشدو مثلك كوّنت ، و لمثلها … خلق الإله البلبل المطرابا
ليت الرياض تعيرني ألوانها … لأصوغ منها للرئيس خطابا
و أقول إنّي عاجز عن شكره … عجز الأنامل أن تلم عبابا
أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي … مثلي ، و تصمت لا تحير جوابا
فلقد رأيت البحر حين رأيته … فوقفت مضطرب الرؤى هيّابا
أعميد سوريّا و كاشف ضرّها … خلقت يداك من الشيوخ شبابا
و بلابل كانت تئنّ سجينة … أطلقتها و أطرتها أسرابا
يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى … لو لم تكن بشرا لكنت سحابا
أمل الشبيبة في يديك وديعة … فارفع لها الأخلاق و الآدابا
فالجهل أنّي كان فهو عقوبة ، … و العلم أنّى كان كان ثوابا
يا ويح نفسي كم تطارني النّوى … و تهدّ منّي القلب و الأعصابا
ودّعت خلف البحر أمس أحبّة … و غدا أودّع ها هنا أحبابا