بَلَغْتُم كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ … فبورِكْتُمُ أَولاد أكرمِ والدِ
إذا ما دعيتم دَعوة المجد كلّها … أقمتم على دعواكم ألفَ شاهد
وقُمْتم إليها رتبة ً تَبْتَغُونها … فما قائم يبغي العلاءَ كقاعد
على أنّها فيكم لديكم وراثة ٌ … وما هي في زيد وبكر وخالد
كَنَزْتُمْ من الفِعل الجميل صنائعاً … وقد تنفدُ الدنيا وليس بنافد
وما زالت الدُّنيا بحسن صنيعكم … مقلّدة أعناقها بالقلائد
أَرَدْتُم صلاح الناس بعد فسادها … وبالصارم الهندي إصلاح فاسد
فأجَّجتُم ناراً تسعَّر جمرُها … ولكنْ بحدِّ المرهفات البوارد
تسلُّونها في الخطب في كل شدّة ٍ … ألا إنّها معروفة ُ بالشدائد
وما فات قصدٌ من جسور الرَّعيَّة بينهم … وقد أوسع الطغيان خرق المفاسد
وقلّمتَ أظفارَ الطغاة وسُسْتَهم … بأَبيضَ حاد الزيغ عن كل حاسد
ولولاك ظلَّت في المجرَّة أهلُها … تُناشُ بأيدي اللوى قلبُ الأوابد
أَعدْتَ لنا أيامَ فهدٍ وبندرٍ … ومن قلبها أيّام عيسى وماجد
وأضحكتَ سنَّ المجد بعد بكائه … طويلاً على أجداث تلك الأماجد
ومنْ بعدِ ما كانت أمورٌ وأقلعتْ … تَذوبُ لها إذ ذاك صمُّ الجلامد
إذا ذَكَرَتْ ثار الغرام وهيَّجَتْ … كوامَن نيرانِ القلوبِ الخوامد
وهلْ يُفْلحُ القومُ الذين تسُوسُهم … بنو الجهل في عار من الحلم فاقد
وما كلّ مَن ساس الرعيَّة ساسَها … ولا كلّ من قاد الجيوش بقائد
تولَّيتها والطعنُ بالطعن يلتقي … وأخذ المنايا واحداً بعد واحد
فما بين مقتول وما بين قاتل … وما بين مطرودٍ وما بين طارد
وقد نزغَ الشَّيطان إذ ذاك بينهم … إذ الناس فوضى لا تدين لواحد
فأَرْشَدْتَهم للخير حتّى تركتَهم … يقولون إنَّ الرُّشْدٍ فعل کبن راشد
عَفَوْتَ بها عمّا جنى ذو قرابة … رماك بسهم القطع رمي الأباعد
ورحت وما في صدرك الحقد كامن … على حاقد جهلاً عليك وواجد
وقلت لمن يطوي على المكر كشحه … دع الزيف لا تنفقه في سوق ناقد
وما ساد في قوم حقودٍ عليهم … ولا حيزت النعماءُ يوماً لحاسد
فأسهرتَ عين الخط والخط ساهر … وما أَنْتَ عن ثار العدوّ براقد
أخو الحزم من يخشى شماتة كاشحٍ … ولا زال مشحوذاً غرار الحدائد
ولا يطأ الأَرضَ الفسيحة بقعة ً … إذا اتصلت فيها حبال المكائد
لك الله منصورٌ لك الله ناصرٌ … وحسبك من حزب معين مساعد
وَثَبْتَ وثوبَ اللّيث تستفرس المنى … وما كنت عنها مُنْذُ كنتَ بلابد
وساعَدَك المقدورُ فيها وربّما … سعى قبل ما تسعى لنيل المقاصد
ومن لم تساعده العناية لم يكن … له ساعد يشتدُّ عن لين ساعد
لقد صلتَ حتى كان أوّلُ قائم … لسيفك يوم الرَّوع أوّلَ ساجد
وَجدْتَ وأعْطَيْتَ المكارم حقّها … برغمٍ على أنف الحسود المعاند
فأرغمتَ آنافاً وأكبتَّ حسَّداً … فأكرمْ وصلْ واقطع وقرِّب وباعد
وما فيكم إلاّ طموح إلى العلى … جموحٌ إلى مجد طريف وتالد
عقائدنا فيكم كما تشتهونها … وكلُّ بكم منا صحيح العقائد
فلم نَرَ في إحسانكم غير شاكر … مليٍّ بما يملي لسان المحامد
عرفناكم فيمن سواكم وهكذا … يكون امتياز الشيء عند التضادد
ومن جرّب الأيام والناس غيركم … رنا نحوهم لكن بناظر زاهد
وإنَّك ممَّن يشْفَع البأس بالندى … ويقبل با لبشرى على كلّ وافد
وقد كان تأسيس الوائل فيكم … فشَيدوا على تأسيس تلك القواعد
لئِن كنتَ أفْنَيْتَ الحُطام فإنما … حظيت على بيت من الذكر خالد
وعدتُ بك الجدوى إذا زرت والغنى … ولم يخلفِ الميعادَ نوءُ العوائد
فزرتَ فحيّى الله طلعة زائر … تعود على وفّادها بالفوائد
وأقبلتَ إقبال الغمام ببارق … تولَّيْتَ إصلاح الرَّعيَّة بينهم
فما کحتَجْتُ بعد السيل شرعة وارد … ولا احتجتُ بعد الروض ندى لرائد
بَلَغْتُ بك الآمال حتى كفيتَني … ركوبَ المطايا واجتناب الفدافد
ويا ربَّ يومٍ مثل وجهك ضاحكٍ … عَرَضْنا على علياك غُرَّ القصائد
وأمّا نداك العذب ما إنْ وردته … على كبدي الحرّى فأعذب بارد
مَلَكْتُم على أمري فؤادي ومِقْوَلي … وأصبح فيكم غائبي مثل شاهدي
رَفَعْتُم مناري بعد خفضٍ ورشْتمُ … جناحي وامْلأْتُمْ فمي بالغرائد
وأطْلَقْتُموني من وثاقٍ خصاصة … فلا غروَ إنْ قيّدتُ فيكم شواردي