بوادي الغضا للمالكية أرْبُعُ … سقتها الحيا منّا جفونٌ وأدمعُ
ومرتبع قد كان للريمِ ملعباً … على أنّه للضيغم الوردِ مصرع
يقطّع فيها مهجة الصب شوقها … وما الشوق إلاّ مهجة تتقطع
حَبَسْتُ بها صَحْباً كأن قلوبهم … من الشوق في تلك المنازل تخلعُ
على مثل معوّج الحنيّة ضمَّر … نبوع بها البيد القفار ونذرع
تحنّ إلي أعلام سلعٍ ولعلع … لقد فتكت بالحب سلع ولعلع
كأنْ فصدتْ من أخدعيها وما جرى … لها بدمٍ قان هنالك أخدع
وما هي إلاّ عبرة دموية … يجود بها في ذلك الربع مدمع
فحيّت رسوم الدار وهي دوارس … جفون بما تسقى بها الدار تترع
كانَّ مطيَّ الركب في الشعب أصبحتْ … لها عند ذاك الشعب قلب مضيّع
نريك بها من شدّة الوجد ما بنا … فكلٌّ له منّا فؤاد مُروَّع
ولما نزلنا ليلة الخيف بالنقا … وفاضت على أطلال رامة أدمع
بحيث الهوى يستنزف العين ماءها … ويستهتر الصبر الذي لا يرقّع
ذكرنا بها أيام لهو كأنها … عقيلة مال المرة بل هي أنفع
وبتنا وأسياف من الشهب في الدجى … تُسَلّ وزنجيّ الظلام يجدع
تحرّك ذات الطوق وجدي وطالما … تبيت على فينانة البان تسجع
تردد والأشجان ملءُ حديثها … قديم الهوى من أهله وترجع
وما ساءها بالبين ركبٌ مقوّضٌ … ولا راعها يوماً خليطٌ مودع
فهل أنت مثلي قد أضرّ بك الهوى … وهل لك قلب لا أبالك موجع
لئن نشرت طيّ الغرام الذي لها … فقط طُويَتْ مني على الوجد أضلع
بنفسي من الجانين بالطرف جانباً … له شافع من حسنه ومشفع
يجرّعني ما لم أذقه من النوى … ألا من حمّيا الوجد ما أتجرع
بذلت له من أدمع كنت صنتها … ذخائرها وهو الحبيب الممتع
ويا ربما أدميت طرفي بوامضٍ … من البرق في الظلماء يخفى ويلمع
وقلت لسعد حين أنكر لوعتي … عداك الهوى إني بظمياء مولع
تولّت لنا أيام جمع وأقلعت … فلم يبق في اللذات يا سعد مطمع
وأصبح بالحيّ العراقي ناعباً … غرابٌ بصرف البين للبين أبقع
وغابت بدور الظاعنين عشية ً … بأنضاء أسفارٍ تخبّ وتوضع
أراني مقيماً بالعراق على ظما … ولا منهل للظامئين ومرتع
وكيف برود الماء والماء آجن … يبلُّ به هذا الغليل وينقع
لعلّ وما تجدي لعلَّ وربَّما … غمائم غمّ أطبقت تتقشع
يعود زمان مرَّ حلوُ مذاقه … وشمل أحبّائي كما كان يجمع
فقد كنت لا أُعطي الحوادث مقودي … وإني لريب الدهر لا أتوجع
كأنّي صفاة ٌ زادها الدهر قسوة ً … من الصم لا تبلى ولا تتصدع
فسالمت حرب النائبات فلم تزل … تقود زمامي حيث شاءت فأتبع
وكنت إذا طاشت سهام قسيّها … وقتني الردى من صنع داوود أدرع
فمن جوده إني ربيتُ بجوده … وزير له الإحسان والجود أجمع
وَرَدَّ شموسَ الفضلَ بعد غروبها … كما ردها من قبل ذلك يوشع
وقام له في كل منبر مدحة … خطيب من الأقلام بالفضل مصقع
ومستودع علم النبيين صدره … ولله سرُّ في معاليه مودع
كأنّ ضياء الشمس فوق جبينه … على وجهه النور الإلهي يسطع
وزير ومرُّ الحادثات يزيده … ثباتاً وحلماً فهو إذ ذاك أروع
إذا ضعضع الخطب الجبال فإنّه … هو الجبل الطود الذي لا يضعضع
عرانينه قد تشمخر إلأى العلى … أشمُّ إلأى الأعلام في المجد أفرع
أمدّ على قطر العراقين ظلَّه … إذا عصفت في الملك نكباء زعزع
ويقدمُ حيث الأسد تحجم رهبة … ويسطو وأطراف المنيّة شرع
يمد يداً طولى إلى ما يرومه … فتقصر أبواعٌ طوالٌ وأذرع
إذا ذَكَرَ الجبّارُ شدّة َ بأسِه … يلين لما يلقاه منه ويخضع
لقد سار من لا زال ينهل قطره … سحاب عن الزوراء بالجود مقلع
فما سال يوماً بعد جدواه أبطحٌ … بسيب ولن تسقى من الغيث أجرع
ولا مرّ فيها غير طيب ثنائه … أريج شذى ً من طيِّب المسك أضوع
ولا عمرت في غير أنواع مدحه … بيوت على أيدي الفضائل ترفع
أبا حسن هل أوبة ٌ بعد غيبة ٍ … فللبدر في الدنيا مغيب ومطلع
لئن خَلِيَتْ منك البلاد التي خلت … فلم يخل من ذكرى جميلك موضع
ففي كل أرض من أياديك ديمة … وروض إذا ما أجدى الناس ممرع
يفيض الندى من راحتيك وإنها … حياضٌ، بنو الآمال منهن تكرع
وإني على خصب الزمان وجدبه … إليك وإن شطَّ المزار لأهرع
ولو أنني وقفتُ للخير أصبحت … نياقي بأرض الروم تخدي وتسرع
إلى مالكٍ ما عن مكارمه غنى ً … وغير ندى كفيه لا أتوقع
فألثم أقدام الوزير التي لها … إلى غابة الغابات ممشى ً ومهيع
وأثني عليه بالّذي هو أهله … وأُنْشِدُه ما قلت فيه ويسمع