بقاء الخلائق رهن الفناء … وقصر التداني وشيك التنائي
لقد حل من يومه لاقتراب … وقد حام من عمره لانتهاء
هل الملك يملك ريب المنون … أم العز يصرف صرف القضاء
هو الموت يصدع شمل الجميع … ويكسو الربوع ثياب العفاء
يبز الحياة ببطش شديد … ويلقى النفوس بداء عباء
ألم تر كيف استباحت يداه … كريم الملوك وعلق السناء
أووافى بسيدة السيدات … مأوى البلى ومناخ الفناء
هو الرزء ألوى بعزم القلوب … مصابا وأودى بحسن العزاء
فما في العويل له من كفيء … ولا في الدموع له من شفاء
فهيهات فيه غناء الزفير … وهيهات منه انتصار البكاء
وأنى يدافع سقم بسقم … وكيف يعالج داء بداء
فتلك مآقي جفون رواء … مفجرة من قلوب ظماء
فلا صدر إلا حريق بنار … ولا جفن إلا غريق بماء
فقد كاد يصدع صم السلام … ويضرم نار الأسى في الهواء
وجيب القلوب وشق الجيوب … وشجو النحيب ولهف النداء
فمن مقلة شرقت بالدموع … ومن وجنة شرقت بالدماء
وسافرة من قناع الحياة … ونابذة صبرها بالعراء
وبيض صبغن بلون الحداد … حمر البنود وبيض الملاء
نواشج في سابغات المسوح … وضافي الشعور بلبس سواء
أنجما هوى في سماء المعالي … لتبك عليك نجوم السماء
فحاشى لرزئك أن يقتضيه … عويل الرجال ولدم النساء
لبيض أياديك في الصالحات … تمسك وجه الضحى بالضياء
وقل لفقدك أن يحتبي … عليه الصباح بثوب المساء
فيا أسف الملك من ذات عز … تعوض منها بعز العزاء
وروح القبور لمجد مقيم … وترح القصور لربع خلاء
ولو قبل الموت منها الفداء … لضاق الأنام لها عن فداء
لئن حجبت تحت ردم اللحود … ومن قبل في شرفات العلاء
فتلك مآثرها في التقى … وبذل اللهى ما لها من خفاء
جزاك بأعمالك الزاكيات … خير المجازين خير الجزاء
ولقيت في ضنك ذاك الضريح … نسيم النعيم وطيب النواء
فيا رب زلفى لدى المشرقين … أبضعت فابتمتها بالعلاء
بوعاري الجناحين نبئت عنه … فأمسى وقد رشته بالعطاء
ودعوة عان بأقصى الدروب … سمعت لوجه سميع الدعاء
وذي حبوة بفناء المقام … سنحت له بسجال الحباء
فلله من طارق لليالي … رماك بيوم كيوم البراء
فودعت فيه إمام الهدى … وداع نوى مالها من لقاء
نجيبك والمصطفى للخلافة … من سلفي خاتم الأنبياء
وما رد عنك سهام الحمام … بحرز الجناب وعز الفناء
ودهر مطيع وسور منيع … وقصر رفيع مشيد البناء
وزأر الأسود وخفق البنود … وجمع الحشود بملء الفضاء
بكل كمي جريء الجنان … وكل أمير منيف اللواء
ووال رعى الله ما قد رعاه … فابلاه في الصنع خير البلاء
تبلج عنه سنا يعرب … تبلج قرن الضحى عن ذكاء
وهزت مضاربه عن حسام … وفرت نواجذه عن ذكاء
فتى قارض الله عن نفس حر … براها لتخليد حر الثناء
وأقحمها مخطرات الحروب … وأحبسها في سبيل السواء
وجاهد في الله حق الجهاد … وأغنى عن الملك حق الغناء
وسيف إذا لألأته الحروب … طار العداة به كالهباء
وألبسه النصر ثوب الجلال … وتوجه الصبر تاج البهاء
فلو أفصح الدهر عما يكن … لناداه يا صفوة الأولياء
هوالماك العامري المسمى … يداه كفيلي حياة الرجاء
عزاء إمام الهدى فالنفوس … ما إن سواك لها من عزاء
وعوضت منها جزيل الثواب … ومد لك الله طول البقاء