بدا والصُّبحُ غَارَ على الظَّلامِ … وعِقدُ النَّجم محلول النظامِ
فحيَّا بالرُّضاب وبالحميّا … فأحيا بالرّضاب وبالمدامِ
إذا ما الشيخ في الكأس احتساها … غدا في الحال أنشط من غلام
لئنْ علَّلتني يا صاح يوماً … بأحبابي فَعَلَّلْني بجام
دعا عنّي الملامة في التصابي … فقد روَّعتماني بالملام
ألا صاحبيَّ وبي غرام … أعيناني على داءِ الغرام
ويا ريح الصَّبا النجديّ بلِّغْ … سليمى يا صبا نجد سلامي
ومن لي بالكرى يوماً لعلي … أرى طيفَ المليحة بالمنام
وما أنسى لها في الركب قولي … وقد نظرت لأجفان دوامي
نحولي ما بخصرك من نحولٍ … وسقمي ما بطرفك من سقام
سقى الأثلاث في سلع سيولاً … فقد جَلَبَتْ حمائِمها حمامي
بكيتُ وما بكت في الدَّوح وُرْقٌ … تظنّ هيامها أبداً هيامي
ولو كان الهوى من غير دمع … قضينا بالغرام على الحمام
أداوي مهجة ً يا سعد جرحى … رماها من رماة الحسن رام
رمين قلوبنا غزلانُ سلع … فما أخطأت هاتيك المرامي
فبتّ جريح ألفاظ مراضٍ … ورحتُ طعين ذياك القوام
قدود البيض لا سمر العوالي … ولحظ السرب لاحد الحسام
كتمتُ الحبَّ متّهماً عليه … وما لي طاقة بالإكتتام
وكيفَ أطيقُ والعبرات منّي … تعبرّعن فؤاد مستهام
وما نقص اشتياق الصَّبِّ شيئاً … على وجه حكى بدر التمام
يدبُّ هواك يا سلمى بروحي … دبيبَ الصَّرخدية في العظام
وفيتُ بعهد من نقضت عهودي … وما لوفاء ميّ من دوام
فليتَ المالكّية حين صدَّت … رَعَيْتُ ذمامها وَرَعَتْ ذمامي
صبرتُ على الحوادث صبرَ حرٍ … يَرى بالصَّبرِ إبلاغ المرامي
وقلتُ معلِّلاً نفسي ولكنْ … مقالي كان أصدق من حذام
سأحْمد عند محمود السجايا … عواقبَ أمرِ أخطار عظام
واستغني به عَمّا سواه … كما يغني الركام عن الجهام
وأرجو أن تظفِّرني سريعاً … عنايَتُه بغايات المرام
لقد دَرَّتْ سحائبه إلى أنْ … زهتْ فيهنّ أزهار الكلام
فَحَدِّثْ عن مكارمه فإنّي … لتعْجِبُني أحاديثُ الكرام
إذا ما جئتني بحديث جودٍ … لقرم جوده كالغيث هامي
فما حَدَّثتُ إلاّ عن أشم … ولا أخبرت إلاّ عن همام
ذكاءٌ فيه أورى من زنادٍ … وكفٌّ منه أندى من غمام
وآراءٌ إذا نَفَذَتْ لأمرٍ … فهنّ اليوم أنفَذُ من سهام
يرى فعل الجميل عليه فرضاً … كمفترض الصَّلاة مع الصّيام
وقامَ له على الأعناق شكر … فلا يُقضى إلى يوم القيام
سريع الجود إنْ يُدْعَ لحسنى … وها هو ذا بطيء الانتقام
أياديه حَطَمْنَ المال جُودا … فما أبقتْ يداه من حطام
على أبوابه الآمال منّا … قَدْ ازدحمت لنا أيَّ ازدحام
تخيّرْ ما تشاء وسله تعطى … من ابن المصطفى خير الأنام
تيقَّنْ أن أمرك سوف يقضى … إذا ما شمت منه سنا ابتسام
أخو الهمم التي تحكي المواضي … وتفيك فتك خواض القتام
تسامى مجده فعلاً محلاً … وإنَّ مَحَلَّ أهلِ المجد سامي
جميلك قاطن في كلّ أرضٍ … وذكرك سار جوّان الموامي
طميتَ وأنْتَ يوم الجود بحر … وبحرك لا يزال الدهر طامي
ومن جدواك كم قد سال سيلٌ … فروّى سيلاُ جودك كل ظامي
لقد أوليتني نِعَماً جساماً … فما أهداك للنعم الجسام
دَعاك لأمره المولى عليٌّ … فكنْتَ وأنتَ في أعلى مقام
وعدتَ لديه يا عين المعالي … برأيك ناظراً أمر النظام
فتمّ لجيشه المنصور أمر … وإنَّ الأمر يحسن بالتمام