إذا ما امتطيت الفلك مقتحم البحر … ووليت ظهري الهند منشرح الصدر
فما لمليك الهند إن ضاق صدره … علي يدٌ تقضي بنهيٍ ولا أمر
ألم يُصْغِ للأعداءِ سَمعاً وقد غدت … عقاربهم نحوي بكيدهم تسري
فأوْتَر قوسَ الظُّلم لي وهو ساخِطٌ … وسدَّد لي سَهمَ التغطرُسِ والكبرِ
وسدَّ عليَّ الطُّرْقَ من كلِّ جانبٍ … وهم بما ضاقت به ساحة الصبر
إلى أن أراد الله إنفاذ أمره … على الرغم منه في مشيئته أمري
فرد عليه سهمه نحو نحره … وقلَّد بالنَّعماءِ من فضله نَحري
وأركبني فلك النجاة فأصبحت … على ثبَج الدَّأماءِ سابحة ً تجري
فأمسيت من تلك المخاوف آمناً … وعادت أموري بعد عسرٍ إلى يسر
وكم كاشِحٍ قد راشَ لي سِهمَ كَيدِه … هناك فأضحى لا يَريشُ ولا يَبْري
وما زال صُنعُ الله، ما زالَ واثقاً … به عبده ينجيه من حيث لا يدري
كأني بفلكي حين مدت جناحها … وطارت مطارَ النِّسر حَلَّق عن وكر
أسفت على المرسى بشاطء جدة ٍ … فجددت الأفراح لي طلعة البر
وهب نسيم القرب من نحو مكة … ولاح سَنى البيتِ المحرَّم والحِجْرِ
وسارت ركابي لا تمل من السرى … إلى موطن التقوى ومنتجع البر
إلى الكعبة البيت الحرام الذي علا … على كلِّ عالٍ من بناءٍ ومن قَصْرِ
فطفت به سبعاً وقبلت ركنه … وأقبلت نحو الحجر آوي إلى حجر
وقد ساغ لي من ماء زمزم شربة ٌ … نقعتُ بها بعدَ الصَّدى غُلَّة الصَّدرِ
هنالك ألفيت المسرة والهنا … وفزتُ بما أمَّلتُ في سالِف الدَّهرِ
وقمتُ بفرض الحجِّ طوعاً لمن قَضى … على الناس حج البيت مغتنم الأجر
وسرت إلى تلك المشاعر راجياً … من الله غُفرانَ المآثم والوِزْرِ
وجئتُ مِنى ً والقلبُ قد فاز بالمُنى … وما راعني بالخيف خوفٌ من النفر
وباكرتُ رميي للجِمار وإنَّما … رَميتُ بها قلب التباعُدِ بالجَمْرِ
أقمنا ثلاثاً ليتها الدهر كله … إلى أن نفرنا من منى ً رابع العشر
فأبت إلى البيت العتيق مودعاً … له ناوياً عودي إليه مدى العمر
ووجهت وجهي نحو طيبة قاصداً … إلى خير مَقصودٍ من البرِّ والبَحرِ
إلى السيد البر الذي فاض بره … فوافيتُ من بحرٍ أسيرُ إلى برِّ
إلى خِيرَة الله الذي شهِدَ الورى … له أنه المختار في عالم الذر
فقبَّلتُ من مثواهُ أعتابَه التي … أنافت على هام السماكين والنسر
وعفّرتُ وجهي في ثَراهُ لوجههِ … وطابَ لي التعفيرُ إذْ جئتُ عن عُفْرِ
فقلت لقلبي قد برئت من الجوى … وقلت لنفسي قد نجوت من العسر
وقلت لعيني شاهدي نور حضرة ٍ … أضاءت به الأنوار في عالم الأمر
أتدرينَ ما هذا المقامُ الذي سَما … على قِممِ الأفلاك أمْ أنتِ لم تَدري
مقام النبي المصطفى خير من وفى … محمَّدٍ المحمود في مُنزَلِ الذِّكرِ
رسول الهدى بحر الندى منبع الجدا … مبيدِ العِدى مُروي الصَّدى كاشِف الضُرِّ
هو المجتبى المختار من آل هاشمٍ … فيالك من فرع زكيٍ ومن نجر
به حازت العليا لؤي بن غالبٍ … وفاز به سَهْما كَنانة والنَّضْر
قضى الله أن لا يجمع الفضل غيره … فكان إليه مُنتهى الفضلِ والفَخرِ
وأرسله الرحمن للخلق رحمة ً … فأنقذهم بالنور من ظلمة الكفر
وأودعه العلام أسرار علمه … فكان عليها نعمَ مُستودَع السِّرِّ
وأسرى به في ليلة ٍ لسمائه … فعاد وجَيْبُ اللَّيل ما شُقَّ عن فَجرِ
وأوحى إليه الذكرَ بالحقِّ ناطِقاً … بما قد جرى في علمه وبما يجري
فأنزلَه في ليلة ِ القَدر جُملَة ً … بعلمٍ وما أدراك ما ليلة ُ القَدرِ
ولقنه إياه بعد منجماً … نُجوماً تُضيءُ الأفَق كالأنجُم الزُّهرِ
مفصَّل آياتٍ حَوَت كلَّ حِكمة ٍ … ومحكم أحكامٍ تُجَلُّ عن الحَصْرِ
وأنهضه بالسيف للحيف ما حياً … وأيده بالفتح منه وبالنصر
فضاءت به شمس الهداية وانجلت … عن الدين والدنيا دجى الغي في بدر
له خلقٌ لولا مس الصخر لاغتدى … أرقَّ من الخنساءِ تبكي على صَخْرِ
وجودٌ لو أن البحر أعطي معينه … جرى ماؤه عذباً يمد بلا جزر
إذا عبَّس الدَّهرُ الضَّنينُ لبائسٍ … تلقاه منه بالطلاقة والبشر
وإن ضَنَّ بالغيث السحابُ تهلَّلت … سحائب عشرٌ من أنامله العشر
ففاضت على العافين كف نواله … فكم كفَّ من عُسرٍ وكم فَكَّ من أسْرِ
وكم للنبي الهاشمي عوارفٌ … يضيق نطاق الحمد عنهن والشكر
إليك رسول الله أصبحت خائضاً … بحاراً يغيض الصبر في لجها الغمر
على ما براني من ضنى ً صحَّ برؤه … وليس سوى رحماك من رائدٍ يبري
فأنعم سريعاً بالشفاء لمسقمٍ … تقلبه الأسقام بطناً إلى ظهر
وخذ بنجاتي يا فديتك عاجلاً … من الضرِّ والبَلوى ومن خطر البَحرِ
عليك صلاة ُ الله ما اخصرَّت الرُّبى … وما ست غصون الروض في حللٍ خضر
وآلك أرباب الطهارة والتقى … وصَحبِكَ أصحابِ النَّزاهة والطُّهرِ