أَلا تبصرُ الأَغصانَ بلَّلها القطرُ … فَمالَت سَكارى لا رَحيقَ وَلا خَمرُ
أَطَلَّت عَذارى الشِعر من فُرَجاتِها … لَها من بَنانِ العِشبِ أَقلامُها الخضرُ
أَطَلَّت وَكانَت هاجِعاتٍ عُيونُها … يُذَوَّبُ في أَحلامِها ذلِك السحرُ
كَأَنَّ نِداءً من صَديقٍ أَفاقَها … فَهَبَّت وَفي سيمائِها يَبسَمُ البَشرُ
وَلمّا رَأَتهُ حَدَّقَت في جَبينِه … فَأَبصَرَتِ التِذكارَ آلمهُ الهَجرُ
وَلم تَقوَ عَن مَسكِ الدُموعِ فَأَسبَلَت … عَلى خَدِّها الوَردِيِّ أَدمُعُها الحُمرُ
خَليلُ وَفي تُرب البِلادِ شَهادَة … هِيَ المَجدُ باقٍ في بِلادِكَ وَالفَخرُ
أَجِل مُقلَةَ الإِلهامِ في عَرَصاتها … تَجد أَثرَ الأَفراخِ يا أَيُّها النِسرُ
هيَ الأُسدُ حالُ الصَمتُ دونَ زَئيرها … فَسالَت مَآقيها وَلَيسَ لَها زأرُ
لَئِن جَنحت أَرواحها عَن لبانَةٍ … فَما جُنح المَجدُ المُخَلِّدُ وَالذِكرُ
بِلادُك هذي يا خَليلُ فَإِنَّها … حَليلَتُك الأولى إِذا فَخرت مِصرُ
فَمن مائِها رَوَّيتَ شعرَك رَيِّقاً … وَفي رَوضِها شَبَّت قَصيدَتُك البكرُ
هُنا تَحت هذا الأَرزُ تَحتَ جلالِه … وَتَحت غُصونٍ قَد تَقَيَّأها الدَهرُ
سَجَدَت خُشوع القَلب في ريِّق الصبا … تُناجي لهاثَ الأَنبِياءِ وَقَد مَرّوا
فَكَم وَقفَةٍ في بَعَلبَكَّ وَقفَتَها … تُراقِب مَسرى البَدر تتبِعُه الزُهرُ
كَمَوكِب جِنٍّ قَد أَطَلَّ من الفَضا … لِيَشهَدَ أَطلالَ الرَدى وَبِهِ ذُعرُ
أَما بعلبكُّ اليَومَ كَالأَمسِ زِخرها … يكلِّلُها في كُلِّ دارِسَةٍ زخرُ
أَما بَرِحت في لُبَّةِ المَجدِ زَهرَةً … يُقَبِّلُها التاريخُ وَهيَ لهُ فَجرُ
فَما تلكمُ الأَنقاضُ إِلّا حَوادِثٌ … عَلى جَبهَةِ الأَيّامِ سَطَّرَها السِرُّ
وَما الهَبواتُ السودُ في جنباتِها … سِوى عَبر الأَزمانِ تَلفَظها الجُدرُ
أَلا فَاِنفَضِ الأَيّامَ عَنها بِفِكرةٍ … هِيَ النورُ من زَيتِ النُبُوَّةِ وَالشعرُ
لِتُطلِعَ جوبيتارَها فَهو رابِضٌ … كنيرون لكِن لَيسَ في صَدرِهِ غدرُ
وَكم وَقفَةٍ في رُبعِ زَحلَةَ أَطلَعَت … عَلَيكَ قَريضاً دونَهُ الماسُ وَالتبرُ
فَتنثُرُهُ في الكرمِ طوراً وَتارَةً … عَلى هَضَبِ الوادي يُشَتِّتهُ النَثرُ
وَفي قُطر مِصرٍ كَم تَذَكَّرتَ زَحلَةً … فَأَبكاكَ بردونيَّها ذلِكَ القُطرُ
لَدُن كُنتَ مع صَنوٍ صَغير مغنجٍ … لهُ طَلعَةٌ حَسناءُ يَغبَطُها البَدرُ
لَدُن كنتَ طِفلاً وَالحَبيبَةُ طِفلَةً … حَوالَيكُما حبٌّ وَبَينَكُما إِصرُ
وَنَكهَة عودِ المندَلِيِّ شَذِيَّة … عَلى ضِفَّةِ النَهرِ الجَميلِ لَها نَشرُ
فَزَحلَة ما زالَت وَما زالَ نَهرُها … فَذاكَ هُوَ الوادي وَذاكَ هوَ النَهرُ
فَأَنشَدكما أَنشَدت في سُحرة الهَوى … فَمن ذِكرياتِ الأَمسِ في زَحلة شطرُ