أَطبِق جَناحَيكَ مَعقوداً لَكَ الظَفَرُ … فَقَد وَصَلتَ وَشَوطُ المَجدِ مُختَصَرُ
ما ضَرَّ وَكرَكَ أَن تَأتيهِ مُنطَفِئاً … ما دامَ قَلبُكَ في جَنبَيهِ يَستَعِرُ
أَلَيسَ مِن ريشِكَ المَحبورِ مُطرَفُهُ … هذي الفِراخُ عَلَيها الأَبرُدُ الحُبُرُ
تَرَكتَها وَعَلى أَكتافِها زَغَبٌ … وَجِئتَها وَعَلى أَبدانِها أُزُرُ
هذي البَواكيرُ ما أَورَدتَ سُحرَتَها … إِلّا لِيُخصِبَ في آصالِها الصَدَرُ
قَذائِفٌ لَن يُرى فَجرُ النسورِ عَلى … أَحلامِها البيضِ إِلّا حينَ تَنفَجِرُ
أَتَيتَهُ في النحاسِ الحَيِّ طَيِّبَةً … عَلَيهِ مِن روحِكَ الأَعراقُ وَالسُرُرُ
عَيناكَ في الحَجَرِ المَصبوبِ ساهِرَةٌ … يَقظانَةٌ فيهِما أَحلامُكَ الغُرَرُ
تُواجِهُ اللَيلَ هَولَ الريحِ صاخِبَةً … ما ضَرَّكَ الذِئبُ جَوعاناً أَوِ النَمِرُ
نيرانُ عَبقَرَ في عَينَيكَ إِن مَرَدَت … هُزجُ الدُجى فَعَلى عَينَيكَ تَنصَهِرُ
مَهما طَغى اللَيلُ لا تُشقيكَ زَوبَعَةٌ … وَلا يُجَهَّمُ في أَجفانِكَ الحَوَرُ
صُلبٌ عَلى الدَهرِ لا تَهوي صَواعِقُهُ … إِلّا عَلى جانِبَي وَقُبَيكَ تَنتَحِرُ
يَقظانُ وَالناسُ عُميٌ ف مَراقِدِهِم … سِيّانِ ناموا عَلى ذُلٍّ أَمِ اِحتُضِروا
عارٌ عَلَينا نَنامُ اللَيلَ هانِئَةً … عُيونُنا وَعبابُ اللَيلِ مُعتَكِرُ
لَم يَبقَ مِن رومَةٍ إِلّا صَغائِرُها … وَمِن قَياصِرِها إِلّا دُمىً كِسَرُ
وَتَشهَدُ الصُبحَ عُرسَ الصُبحِ مُنعَقِداً … عَلى جَبينِكَ نورٌ مِنهُ يَنضَفِرُ
وَلائِمٌ لَكَ تُزجى مِن مَوائِدِها … العِطرُ وَالنورُ وَالأَلحانُ وَالصُوَرُ
وَالشَمسُ بِالجَفنَةِ الخَضراءِ عاشِقَةٌ … مِن مِرشَفَيها دَمُ العُنقودِ يَختَمِرُ
وَالدُلبُ كِنّارَةُ الأَنسامِ مُرتَعِشٌ … فيهِ لِكُلِّ نَسيمٍ عابِرٍ وَتَرُ
تَشُدُّ جَفنَيكَ رُؤيا لا قَرارَ لَها … كَأَنَّما الغَيبُ في عَينَيكَ مُنحَصِرُ
عَينُ العَظيمِ ضِياءُ الأَنبِياءِ بِها … مَرَّ الجَحيمُ وَلَم يُطرَف لَها بَصَرُ
رَفَعتَ عَنكَ سِتارَ الناسِ مُنتَفِضاً … أَيَحجُبُ الخُلدُ مَن يَبلى وَيَندَثِرُ
هذي الستارَةُ كانَت في تَشَدُّدِها … عَلَيكَ آخِرَ قَيدٍ شَدَّهُ البَشَرُ
كَأَنَّها وَهيَ تُنضى خِلعَةٌ كَذَبَت … مِنَ الفَناءِ لِحاءٌ عَنكَ يُقتَتَرُ
مُنذُ اِبنِ مَريمَ وَالأَكفانُ هاوِيَةٌ … عَنِ النُبوغِ وَصَخُر القَبرِ مُنحَدِرُ
كَم في بِلادِكَ مِن نَفسٍ تَوَدُّ عَلى … وَقاحِ عَورَتِها أَن تُسدَلَ السُتُر
جاءَت عَروسُكَ في حُلمي تُخاطِبُني … يَصونُها المَلَكانِ الحُبُّ وَالخَفَرُ
شَبابُها قُبَلُ الأَجيالِ في دَمِهِ … كَأَنَّهُ بِجَمالِ اللَهِ مُؤتَزِرُ
في مُقلَتَيها نُجومٌ لِلهَوى جُدُدٌ … وَفي يَدَيها نُجومٌ لِلعُلى أُخَرُ
مِن جَنَّةِ الحُبِّ غَرسُ الخَيرِ ما نَبَتَت … لَو ذاقَتِ الأَرضُ مِن أَثمارِهِ سَقَرُ
قالَت ثِمارِيَ لَم تُبذَل لِغَيرِ فَتىً … جَرَت بِهِ الدعَةُ الخَضراءُ وَالكِبَرُ
كَم شاعِرٍ نَوَّرَت في روحِهِ قُبَلي … فَكُلُّ قُبلَةِ حُبٍّ مِن فَمي قَمَرُ
وَلَم أَطَأ قَلبَهُ إِلّا عَلى زَهَرٍ … وِسادَتي وَفِراشي قَلبُهُ العَطِرُ
وَكَم فَتىً بَطِرَ الإِلهامُ في دَمِهِ … فَقامَ يُغصِبُني في شِعرِهِ البَطَرُ
أَطعَمتُهُ شَفَتي حيناً فَساوَمَ بي … كَأَنَّني سِلعَةٌ تُشرى وَتُحتَكَرُ
لَمّا رَدَدتُ عَلَيهِ مِعطَفي خَجَلاً … صارَ الحُطَيئَةَ في أَحقادِهِ عُمرُ
أَبا النُسورِ سَقَيتَ المَوتَ خَمرَتَهُ … فَصُلبُكَ المُصطَفى لِلخُلدِ مُدَّخَرُ
ما ضَرَّ نَسرَكَ لَم يُعقِب وَقَد نُسِلَت … مِنهُ النُجومُ فَفَوزي وَحدَهُ أُسَرُ
لرُبَّ حَيٍّ غَدا في قَومِهِ حَجَرا … وَرُبَّ مَيتٍ غَدا حَيّاً بِهِ الحَجَرُ