أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي … وَلا تَطلُبا مِن عِندِ قاتِلَتي ذَحلي
فَما حَزَني أَنّي أَموتُ صَبابَةً … وَلَكِن عَلى مَن لا يَحِلُّ لَهُ قَتلي
أُحِبُّ الَّتي صَدَّت وَقالَت لِتُربِها … دَعيهِ الثُرَيّا مِنهُ أَقرَبُ مِن وَصلي
أَماتَت وَأَحيَت مُهجَتي فَهيَ عِندَها … مُعَلَّقَةٌ بَينَ المَواعيدِ وَالمُطلِ
وَما نِلتُ مِنها نائِلاً غَيرَ أَنَّني … بِشَجوِ المُحِبّينَ الأُلى سَلَفوا قَبلي
بَلى رُبَّما وَكَّلتُ عَيني بِنَظرَةٍ … إِلَيها تَزيدُ القَلبَ خَبلاً عَلى خَبلِ
كَتَمتُ تَباريحَ الصَبابَةِ عاذِلي … فَلَم يَدرِ ما بي فَاِستَرَحتُ مِنَ العَذلِ
وَمانِحَةٍ شُرّابَها المُلكَ قَهوَةٍ … مَجوسِيَّةِ الأَنسابِ مُسلِمَةِ البَعلِ
رَبيبَةِ شَمسٍ لَم تُهَجنَ عُروقُها … بِنارٍ وَلَم يُقطَع لَها سَعفُ النَخلِ
تَصُدُّ بِنَفسِ المَرءِ عَمّا يَغُمُّهُ … وَتُنطِقُ بِالمَعروفِ أَلسِنَةَ البُخلِ
قَدِ اِستُودِعَت دَنّاً لَها فَهوَ قائِمٌ … بِها شَفَقاً بَينَ الكُرومِ عَلى رِجلِ
بَعَثنا لَها مِنّاً خَطيباً لِبُضعِها … فَجاءَ بِها يَمشي العِرضَنَة في مَهلِ
رَقى رَبَّها حَتّى اِحتَواها مُغالِياً … عَقيلَتَهُ دونَ الأَقارِبِ وَالأَهلِ
فَوافى بِها عَذراءَ كُلَّ فَتى نَدَىً … جَزيلَ العَطايا غَيرَ نِكسٍ وَلا وَغلِ
مُعَتَّقَةً لا تَشتَكي وَطءَ عاصِرٍ … حَرورِيَّةً في جَوفِها دَمُها يَغلي
أَغارَت عَلى كَفِّ المُديرِ بِلَونِها … فَصاغَت لَهُ مِنها أَنامِلَ كالذَّبلِ
أَماتَت نُفوساً مِن حَياةٍ قَريبَةٍ … وَفاتَت فَلَم تُطلَب بِتَبلٍ وَلا ذَحلِ
شَقَقنا لَها في الدَّنِ عَيناً فَأَسبَلَت … كَما أَسبَلَت عَينُ الخَريدِ بِلا كُحلِ
كَأَنَّ حَبابَ الماءِ حينَ يَشُجُّها … لَآلِئُ عِقدٍ في دَماليجَ أَو حِجلِ
كَأَنَّ فَنيقاً بازِلاً شُكَّ نَحرُهُ … إِذا ما اِستَدَرَّت كَالشُعاعِ عَلى البَزلِ
كَأَنَّ ظِباءً عُكَّفاً في رِياضِها … أَباريقُها أَوجَسنَ قَعقَعَةَ النَبلِ
ظَلِلنا نُناغي الخُلدَ في مَشرَعِ الصِبا … عَلَينا سَماءُ العَيشِ دائِمَةُ الهَطلِ
وَدارَت عَلَينا الكَأسُ مِن كَفِّ طَفلَةٍ … مُبتَلَّةٍ حَوراءَ كَالرَشَءِ الطَّفلِ
وَحَنَّ لَنا عودٌ فَباحَ بِسِرِّنا … كَأَنَّ عَلَيهِ ساقَ جارِيَةٍ عُطلِ
تُضاحِكُهُ طَوراً وَتُبكيهِ تارَةً … خَدَلَّجَةٌ هَيفاءُ ذاتُ شَوىً عَبلِ
إِذا ما اِشتَهَينا الأُقحُوانَ تَبَسَّمَت … لَنا عَن ثَنايا لا قِصارٍ وَلا ثُعلِ
وَأَسعَدَها المِزمارُ يَشدو كَأَنَّهُ … حَكى نائِحاتٍ بِتنَ يَبكينَ مِن ثُكَلِ
غَدَونا عَلى اللَذّاتِ نَجني ثِمارَها … وَرُحنا حَميدي العَيشِ مُتَّفِقي الشَكلِ
أَقامَت لَنا الصَهباءُ صَدرَ قَناتِها … وَمالَت عَلَينا بِالخَديعَةِ وَالخَتلِ
إِذا ما عَلَت مِنّا ذُؤابَةَ شارِبٍ … تَمَشَّت بِهِ مَشيَ المُقَيَّدِ في الوَحلِ
فَلا نَحنُ مِتنا ميتَةَ الدَهرِ بَغتَةً … وَلا هِيَ عادَت بَعدَ عَلِّ إِلى نَهلِ
وَساقِيَةٍ كَالريمِ هَيفاءَ طَفلَةٍ … بَعيدَةِ مَهوى القُرطِ مُفعَمَةِ الحِجلِ
تَنَزُّهُ طَرَفَي في مَحاسِنِ وَجهُها … إِذا اِحتُثَّتِ الطاساتُ يُغنى عَنِ النُقلِ
سَأَنقادُ لِلَّذاتِ مُتَّبِعَ الصِبا … لِأُمضِيَ هَمّي أَو أُصيبَ فَتىً مِثلي
هَلِ العَيشُ إِلّا أَن أَروحَ مَعَ الصِبا … وَأَغدو صَريعَ الراحِ وَالأَعيُنِ النُجل