أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا … لَأَرفَعُ مِنكَ في الناسوتِ قَدرا
نَما بَينَ الأَباعِرِ في البَراري … وَغَيرَ الكَهفِ لَم يَعرِف مَقَرّا
ولكِن حَلَّ في بُردَيهِ وَحيٌ … كَفاكَ تَفاخُراً وَكَفاهُ فَخرا
وَهَل في بُردَتَيكَ سِوى دَعِييٍّ … تَسَوَّدَ في القَبيلَةِ حينَ أَثرى
رَأَت بِشراً عَجوزٌ ذاتَ يَومٍ … وَقَد حَزَرَت بِهِ وَطَراً وَأَمرا
فَقالَت أَنتَ تَبحَثُ عَن عُروسٍ … وَبِاِبنَةِ عَمِّكَ المِضيافِ أَحرى
فَقالَ لَها وَهَل هِي ذاتُ حُسنٍ … فَقالَت إِنَّها في الحُسنِ بُشرى
لَها شَعرٌ كَأَنَّ اللَيلَ مِنهُ … تَمَنّى البَدرُ فيهِ أَن يَمُرّا
كَأَنَّ ذُؤابَتَيهِ حِبالُ أَسرٍ … تُشَدُّ بِها قُلوبُ العُربِ أَسرى
فَخَفَّ لِعَمِّهِ نَشوانَ جَذلاً … وَكاشَفَهُ فَلاقى مِنهُ زَجرا
فَقالَ لَهُ أَبَيتَ اللَعنَ قُل لي … أَفاطِمَةٌ لِغَيرِ دَمي تُسَرّى
أَتَأباها عَلَيَّ وَمِن ذِراعي … لِآمالِ القَبيلِ عَمِلتُ جِسرا
فَمَن لَكَ في الرَعِيَّةِ غَيرُ بِشرٍ … يَرُدُّ غَوائِلَ الغَزَواتِ حُمرا
وَكَم بِكرٍ وَهَبتُكَ مِن دِمائي … وَتَأبى يا ظَلومُ عَلَيَّ بِكرا
وَهامَ مُشَعَّثَ الأَحلامِ غَيظاً … يُخَرِّبُ تارَةً وَيَعُجُّ أُخرى
وَثارَ عَلى قَبيلَتِهِ بِضُرٍّ … فَكانَ الذِئبَ فَتكاً أَو أَضَرّا
فَضَجَّ بَنو الرَعِيَّةِ مِن أَذاهُ … وَأَوجَسَ عَمُّهُ خَوفاً وَذُعرا
فَقَرَّبَهُ إِلَيهِ وَقَد تَحَرّى … لَهُ شَرَكاً لِيوقِعَ فيهِ ذِمرا
وَقالَ لَهُ إِذا ما كُنتَ شَهماً … أَنِلني مِن خُزاعَةَ مِنكَ مَهرا
فَدَبَّت سورَةُ العَرَبِيِّ فيهِ … وَأَسرَجَ مُهرَهُ حَتّى يَكُرّا
وَجَنَّبَ في حِمالتِهِ جُرازاً … لَهيبُ المَوتِ يَنفُثُ مِنهُ جَمرا
وَكانَ النَجَوُّ مُربَدّاً رَهيباً … كَاَنَّ مِنَ الجَحيمِ عَلَيهِ سِترا
فَسامَرَهُ حَفيفُ الغابِ حيناً … وَحيناً سامَرَتهُ طُيوفُ ذِكرى
وَفيما بِشرُ يَطوي البيدَ طَيّاً … وَيَنشُرُها عَلى الامالِ نَشرا
إِذا بِالمُهرِ أَجفَلَ وَاِعتَراهُ … جُمودُ دُمىً وَأَحجَمَ وَاِقشَعَرّا
فَأَغمَدَ في الدياجي ناظِرَيهِ … فَأَبصَرَ في ثَناياها هِزَبرا
وَفاضَت نَشوَةً مِن مُقلَتَيهِ … مُشَعشَعَةٌ فَقالَ عُقِرتَ مُهرا
وَحينَ جَذا اِنتَضى السَيفَ المُرَوّى … وَقالَ اِنبُت فَإِنَّكَ لَن تَفِرّا
فَلَستُ بِراجِعٍ يا لَيثُ حَتّى … يَصِرَّ بِكَ الذبابُ الغثّ صَرّا
وَأَقدَمَ مُثبِتَ الأَبصارِ فيهِ … فَكانَ كِلاهُما أَسَداً تَسَرّى
وَكانَ اللَيثُ يَفرَقُ مِنهُ طَوراً … وَيَبسُطُ تارَةً لِلوَثبِ ظُفرا
وَفي أَلحاظِهِ لَهَبٌ غَضوبٌ … يُراشِقُهُ بِهِ شَفعاً وَوِترا
يَنِشُّ بِشِدقِهِ زَبَدٌ حَرورٌ … وَيَنفُثُ صَدرُهُ حُمَماً أَحَرّا
وَضَجَّ الغابُ فَالدُنيا صِراعٌ … تُفَجِّرُ في رُواقِ اللَيلِ حُرّا
وَحينَ رَآهُ أَرسَخَ منهُ بَأساً … تَذَأبَ وَالغَضَنفَرُ كانَ حُرّا
وَأَطلَقَ بِشرُ مُنصَلَهُ عَلَيهِ … فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضلاعِ عَشرا
وَثارَ الكَونُ ثَورَتَهُ فَأَلقى … عَلى اللَيلِ الحُسامَ فَدارَ فَجرا
وَأَسكَرَ مَشهَدُ الضِرغامِ بِشراً … وَكَم شَرِبَ الدَمَ المُهراقَ خَمرا
فَقَدَّ قَميصَهُ عَنهُ وَأَملى … عَلَيهِ بِالدَمِ المَطولِ شِعرا
أَفاطِمَ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتٍ … وَقَد لاقى الهِزَبرُ أَخاكِ بِشرا
وَوالى سَيرَهُ يَمتَلُّ فيهِ … لِيَبلُغَ مَأرَباً قَد كانَ وَعرا
وَأَنداءُ الصَباحِ تَفوحُ طيباً … وَيَسكُبُها النَسيمُ عَلَيهِ عِطرا
وَفيما الحُبُّ يَنهَبُهُ عَراهُ … فَحيحٌ مَرَّ في أُذُنَيهِ مَرّا
وَأَبصَرَ حَيَّةً طَلَعَت عَلَيهِ … مِنَ الأَدغالِ مِثلَ التُربِ سَمرا
أَذابَ الصُبحُ خَمرَتَهُ عَلَيها … فَمالَت مِن خُمورِ الصُبحِ سَكرى
وَشَعَّت كَالزُجاجِ وَقَد تَلَوَّت … عَلى أَعشابِها بَطناً وَظَهرا
فَقالَ أَخوكِ كانَ عَلَيَّ وِقراً … وَلكِن أَنتِ أَثقَلُ مِنهُ وِقرا
فَهَل بُعِثَت بِهِ روحٌ تَرَدَّت … بِجِلدِ الأَفعوانِ تَرومُ ثَأرا
ولاقاها بِصَدرٍ راضَ صَبراً … وَلاقَتهُ بِصَدرٍ ضاقَ صَبرا
فَكانَت تَنثَني عَنهُ اِغتِيالاً … وَتُنشِبُ رَأسَها لِلفَرسِ غَدرا
تُرى ماذا يَحُلُّ بِنا إِذا ما … أُصيبَ بِنَكبَةٍ اللَهُ أَدرى
فَبِشرٌ مَرجِعُ الفُرسانِ فينا … وَحامينا إِذا الجَوُّ أَكفَهَرّا
بَعَثتُ بِهِ إِلى حَتفٍ ذَميمٍ … كَأَنّي لِلقَبِيلِ حَفَرتُ قَبرا
فَإِن يَسلَم مِنَ الأَسَدِ اِبنِ داذا … فَلَن يَنجو مِنَ الأَفعى طِمِرّا
وَشَمَّرَ لِلِّحاقِ بِهِ وَكانَت … دِماهُ تُثيرُهُ وَالعَينُ شَكرى
عَلى فَرَسٍ كَأَنَّ الجِنَّ تَعدو … بِرِجلَيها فَتَختَفِيانِ سِرحا
وَلَمّا أَدرَكَ اِبنَ أَخيهِ حَيّاً … يَروغُ الوَحشُ مِنهُ جَذا وَخَرّا
وَقالَ اِعدِل عَنِ الأَفعى فَإِنّي … رَأَيتُكَ أَرحَبَ الأَعرابِ صَدرا
لَأَنتَ أَحَقُّ مِن أُمَراءِ قَومي … بِفاطِمَةٍ فَكُن لي ابِناً وَصِهراً
فَأَلهَبتِ الحَماسَةُ كَفَّ بِشرٍ … فَصَعَّدَ سَيفُهُ المَصدورُ جَمرا
وَأَطعَمَ خَصمَهُ يُسرى يَدَيهِ … وَأَجرى المَوتَ مِن يُمناهُ نَهرا
فَقَبَّلَ عَمُّهُ يَدَهُ بِحُبٍّ … وَقالَ أَتَيتُ أَطلُبُ مِنكَ عُذرا
أَلا عُد بي إِلى حَيثُ السَرايا … تُقيمُ لِعُرسِكَ اليَومَ الأَغَرّا
فَقَد شَهِدَت صُخورُ الغابِ يا اِبني … بِأَنَّكَ فارِسُ الأَعرابِ طُرّا
وَعادا وَالغُصونُ تَميلُ تيهاً … كَأَنَّ بِها لِما شَهِدَتهُ سُكرا
وَتَعطِفُ في الطَريقِ عَلى يَدَيهِ … تُقَبِّلُ مِنهُما يُمنى وَيُسرى
وَإِذ كانا يَجوبانِ البَراري … وَيَنثُرُ بِشرُ آيَ الفَخرِ نَثرا
إِذا بِمُلَثَّمِ العَينَينِ نَجدٍ … تَعَرَّضَّ في الطَريقِ لَهُ مُصِرّا
وَقالَ كَفاكَ تَفَخرُ يا عِصاماً … فَفَخرُكَ مَرَّ في أُذُنَيَّ فَجرا
قَتَلتَ بَهيمَةً وَقَتَلتَ سوساً … وَتَملأُ ماضِغَيكَ قَذىً وَنُكرا
فَقالَ وَمَن تَكونُ فَقالَ إِنّي … نَذيرُ المَوتِ جِئتُ إِلَيكَ جَهرا
أَنا دَهرٌ وَأَيّامي سَعيرٌ … إِذا نازَلتَني نازَلتَ دَهرا
وَفي غَضَبٍ تَبَدّى المَوتُ فيهِ … عَلى سَيفَيهِما كَرّاً وَفَرّا
أَصابَ مُلَثَّمُ العَينَينِ بِشراً … فَأَحجَمَ عَنهُ إِخفاقاً وَقَسرا
وَصاحَ بِه أَبَيتَ اللَعنَ فَاِرفَع … لِثامَكَ لا تَظَلَّ عَلَيَّ سِرّا
فَقالَ الخَصمُ وَهوَ يُميطُ سِتراً … أَنا اِبنُكَ فَاِنظُرِ الوَلَدَ الأَبَرّا
فَعاوَدَ بِشرَ تَذكاراتُ عَهدٍ … تَصَرَّمَ تارِكاً في الصَدرِ ذِكرى
وَقَبَّلَهُ وَقالَ أَراكَ يا اِبني … بِفاطِمَةَ اِبنَةِ الأَعمامِ أَحرى