أدار الكأس مترعة ً شرابا … وأهداها لنا ذهباً مذابا
وقد غارت نجوم الصبح لمّا … رأته وهو قد كشف النقابا
وقال لي الهوى فيه اصطبحها … وطبْ نفساً بها فالوقت طابا
ونحن بجنَّة ٍ لا خلد فيها … ولا واش نخاف به العقابا
ونارُ الحسن في وجنات أحوى … من الغلمان تلتهب التهابا
أدرها يا غلام عَليَّ صرفاً … وأرشفني بريقتك الرضابا
أدرها مُزَّة تحلو وَدَعني … أقبل من ثناياك العذابا
أراش سهامَ مقلته غريرُ … إذا أرمى بها قلباً أصابا
وطاف بها على الندمان يسعى … كأنَ بكفهِ منها خضابا
وشربٍ يشهدون الغيَ محصناً … إذا الشيطان أبصرهم أنابا
عكفت بهم على اللَّذات حتى … قرعت بهم من الغايات بابا
متى حجب الوقار اللّهو عنهم … رأوا أنْ يرفعوا ذاك الحجابا
وقاموا للتي لا عيبَ فيها … يرَوْنَ بتركها للعاب عابا
كأنَّ مجالس الأفراح منهم … كؤوس الراح تنظمهم حبابا
تريك مذاهباً للقوم شتّى … وتذهب في عقولهم ذهابا
تحرَّينا السرور وربَّ رأيٍ … إذا وطىء التراب بأخمصيه
وما زلنا نريق دم الحميّا … ونشربها وقد ساغت شرابا
إلى أن أقلعت ظلم الدياجي … كما طيَّرت عن وكر غرابا
وغنَّتنا على الأغصان ورقُ … يطوّقني أياديه الرغابا
وقد ضحك الأقاح الغضُّ منا … وأبصر من خلاعتنا عجابا
وظلّ البان يرقص والقمارى … تغنّيه انخفاضاً وانتصابا
وفينا كلُّ مبتهج خليعٍ … طروب شبَّ عارضه وشابا
إذا شرب المدام وأطرابته … أعاد على المشيب بها الشبابا
ألا بأبي من العشاق صبٌّ … متى ذكر الغرام له تصابى
بكُلّ مهفهفِ الأعطاف يعطو … بجيد الظبي روع فاسترابا
إذا وطئ التراب بأخمصيه … تمنّى أن يكون له ترابا
وأيم الله إنك مستهام … إذا استعذبت في الحبّ العذابا
أعدْ لي ذكر أقداح كبارٍ … ملاءً من شرابك أو قرابا
وخلّ اليوم عنك حديث سلمى … فلا سلمى أريد ولا الربابا
ومن قول الشجيّ سألت ربعاً … خلا ممن أحبّ فما أجابا
وخذ بحديث سليمان فإنّي … أحبّ به الثناء المستطابا
يهاب مع الجمال ولا يداري … ويوصف بالجميل ولا يحابى
فلو فاكهته لجنيت شهداً … ولو عاديته لشهدت صابا
ولم تر قبله عينٌ رأته … جميلاً راح محبوباً مهابا
ينوب عن الصبّاح إذا تجلى ّ … وما ناب الصبّاح له منابا
فكان ليَ الثناء عليه داراً … وكان له الندى والجود دابا
هم الرأس المقدَّمُ من قريش … يريك الناس أجمعها ذنابا
وهم خير خلق الله أصلاً … وفرعاً واحتساباً وانتسابا
ويرضى الله ما رضيت قريشٌ … ويغضب إنْ هم راحوا غضابا
ففيهم شيَّد الله المعالي … وفيهم أنزل الله الكتابا
أولئك آلُ بيتٍ أنزلوها … تراثاً عن أبيهم واكتسابا
شواهق من جبال المجد تسمو … مفاخرها وأبنية رحابا
وأخلاقاً مهذبة لداناً … وإيماناً من الجدوى رطابا
إليكم ننتمي وبكم نباهي … من البحر الشرايع والعبابا
وفي الدّارين ما زلنا لديكم … نجوز الأجر منكم والثوابا
وأبلغ ما يكون به التمني … دنوّاً من جنابك واقترابا
زماناً راعني بنواك شهراً … فما لي لا أريع به الركابا
فليس العيدُ ما أوفى بعيدٍ … ولم أشهد به ذاك الجنابا
وعاتبنا بفرقتك الليالي … على ما كان حزناً واكتئابا
فأما أقصر الأشراف اعاً … فأطولهم مع الدنيا عتابا
فيا قمراً عن الزوراء غابا … زماناً للتنزه ثم آبا
طلعت طلوع بدر التِّمِّ لمّا … غَرَبْتَ فلا لقيت الاغترابا
وجئت فجئتنا بالخير سيلاً … تُسيلُ به الأباطح والهضابا
فإنك كلّما استُسقيت وبلاً … سقيت وكنت يومئذ سحابا
فمن منح شرحتَ لنا صدوراً … ومن مِنَنٍ تقلدها الرقابا
ولمّا أنْ نظمتُ له القوافي … ولجت بها على الضرغام غابا
وقمتُ عليه أنشدُها وأهدي … لحضرته الدعاء المستجابا
إذا منع اللئيم ندى يديهِ … أبى إلاّ انصباباً وانسكابا