أدارهم بين الأجارع فالسدر … سقتك الغوادي كل منسكب القطر
أجيبي تجافت عن رباك يد الردى … ولا نضبت أمواه موردك الغمر
ولا زال ظل البان فيك منعما … يميس من الأوراق في حلل خضر
متى ظعن الحي الجميع وأصبحوا … كما افترق الحجاج في ليلة النفر
وأين استقلوا هل بهضب تهامة … محلين أم حلوا على قنة الحجر
وإذ زجروها معرقين فهل سروا … بشط دجيل أم أجازوا على الجسر
أم الشام أموا أم على رمل خالج … حدوا عابرين النيل قصدا إلى مصر
فقالت سروا والليل مرخ سدوله … وجنح الليالي في اقتبال من العمر
وشدوا عقود العزم فوق رحالهم … فما راعني إلا ركائبهم تسري
فهذا عزمي قد بثت شجونه … إليك وما قد كان بعد فلا أدري
ولولا نسيم دل طيب حديثه … علي وآراج تضوع للسفر
لما عرفوا مني المكان ولا بدت … مثول طلول فوق كثباني العفر
يمينا برب الراقصات إلى منى … وحرمة ما بين المقام إلى الحجر
لو أنني أعطيت الصبابة حقها … وأمكنت مغتال التشوق من صدري
لما سغت من ورد الحياة صباية … ولو سغتها من بعد ذاك فما عذري
ولكن أبت إلا التصبر همة … لها قصبات السبق في معرك الدهر
تعوضت أنس الصبر من وحشة النوى … وفوضت لله التصرف في أمري
أفقرا وقد أوردت في مورد الغنى … وخوفا وقد أصبحت جار بني نصر
حططت بآل الله عوج ركائبي … فلقيت بالترحيب والسهل والبر
ولذت بهم من صولة الدهر عائذا … كما جنح الطير المروع إلى وكر
فمد جناح الأمن فوق مخافتي … وقد فر عنها الذعر من شدة الذعر
وأصبحت لا أخشى الزمان ودونه … كتائب من قوم كرام ومن وفر
مقيما أرى الأحداث من حيث لا ترى … فمن مبلغ عن منزلي ربة الخدر
بأقدم من يمضي إذا الخيل أحجمت … وأحلم من يغضي وأكرم من يقري
إذا نزل المكروه أو بخل الحيا … فغيث لمعتر وغوث لمضطر
فدونك يا آل الوجيه ملاعبي … ظلالك والديباج من مرج خضر
ويا بدر المال الصموت تبرجي … وشأنك فابيضي إذا شئت واصفري
ويا حلل الهضب اليماني فاخري … نجوم الدجى أو حاسني زمن الزهر
أيا ظاعنا نحر الدجنة يبتغي … طلوع سنى الخيمات في مطلع الفجر
ألا حدثن عني الأحبة إنني … حططت بحي لا يلين على قسر
وإني مذ يممت حضرة يوسف … تقل مقادير الخلائق عن قدر
بحيث أتيت الأرض مسكا ترابها … وأوطيت من حصبائها أنفس الدر
سقيت بها ظمآن من مورد الحيا … وأنشقت في آفاقها عنبر الشحر
وحييت شمس الملك في مطلع الهدى … وقبلت كف الليث في لجة البحر
ووقفت آمالي على ملك الورى … فأعديت أرباح الرجاء على خسر
وناديت بالأمال من هضبة العلا … هلموا إلى ورد السماحة والبشر
أمير الطوال السمر والقضب البتر … وحافظ دين الله في نازح الثغر
خبت نار حرب لم تهجها وأقفرت … منازل قوم لم تبت منك في خدر
وفلت جموع ناصبتك فإنها … تقارع سيفا في يد الصمد الوتر
تركت أبيات المفارق منهم … ترابا وأغماد السيوف عصا تجري
فلله ما أعززت من ملة الهدى … ولله ما أذللت من ملة الكفر
ولله عيد فاتحتك سعوده … تحييك بالفتح القريب وبالنصر
ولله من صوم قضيت حقوقه … وزودته المتلو من سور الذكر
وصلت به ليل التمام بيومه … وناجيت منها الروح في ليلة القدر
إلى أن تقضى عنك لا عن ملالة … فبورك من صوم زكي ومن فطر
أمولاي لو كان النهار صحيفتي … وكان ظلام الليل من دونها حبري
وكانت حديدات الجوارح أالسنا … لقصرت في حمدي علاك وفي شكري
أعدت لنا من عهد أسلافك الرضا … عهودا فيا طيب الوصال على الهجر
وجددت فينا نعمة طال عهدنا … بها فاجتلينا غرة الزمن النضر
خليلي إن الشعر سحر وإنني … إذا شئتما تحقيقه بابل السحر
وما الدر إلا ما أراني قائلا … فساحله نظمي ولجته فكري
جعلت امتداحي فيك أشرف حلية … أباهي بها الأقوام في محفل الفخر
وأعددت حبي في علاك وسيلة … ألاقي بها الرحمان في موقف الحشر