أترى الكنانة كيف تعبث بالدم … الله للشهداء إن لم ترحم
أدنى المراتب في الصبابة عندها … تلف المحب وطول وجد المغرم
تزجي تحيتها فيكذب دونها … أمل الملول ومطمع المتبرم
ضل امرؤٌ قتلته مصر فلم يصن … عهد الولي لها وحق المنعم
معشوقة ٌ يجري مع الدم حبها … في قلب نصرانيها والمسلم
المستبد بنا يريد فنرتضي … ويسومنا خوض الحتوف فنرتمي
الآخذ الشهداء أخذ مناجزٍ … والمستبيح دم الشهيد الأعظم
بعثته مصر مجاهداً ورمت به … فرمت بجيشٍ للفتوح عرمرم
خاض الغمار يهد كل كتيبة ٍ … ويهز رايات الكمي المعلم
متجرداً لله يطلب حقه … ويقيم جانب شعبه المتهدم
فإذا القياصر بالأرائك تتقي … وإذا الأرائك بالقياصر تحتمي
كلٌ له فزعٌ وكلٌ جازعٌ … يبغي القرار ولا قرار لمجرم
الظلم أجمع والأساءة كلها … بغي القوي على الضعيف المرغم
ومن البلية أن يقال لأمة ٍ … تبغي الحياة حذار أن تتقدمي
أعدى الذئاب على الممالك من يرى … أن الشعوب فريسة المتهجم
ويرى الشرائع في عظيم جلالها … سيف المغير ومخلب المتحكم
قل للحضارة بعد حكم دعاتها … برئت دعاتك منك إن لم تظلمي
زولي فإن رمت البقاء لحاجة ٍ … تبغين بعد قضاءها قتلثمي
هل تملكين من الحياة علالة ً … أم تأخذين من الحفاظ بميسم
كوني كعهدك بين قومك إنهم … تركوك غرقى في الحديد وفي الدم
مضت الحضارة في جلال حماتها … ومضوا بأبهة الزمان الأقدم
الرافعين من الممالك شأوها … البالغين بها مكان الأنجم
المتقين الله في ضعفائها … المانعين حمى الذليل المسلم
الجامعين على الهداية أهلها … الصادعين غياهب الزمن العمى
الممطرين الأرض عدلاً كلها … المنبتين بها كبار الأنعم
في دولة ٍ لله عالية الذرى … دعمت بآيات الكتاب المحكم
سطع الزمان بها وحم قضاؤها … فرمى الممالك بالزمان المظلم
يضربن في سبل الغواية والعمى … لا يهتدين إلى السبيل الأقوم
شعبٌ على شعبٍ يجور وأمة ٌ … تلقي على أخرى مخالب ضيغم
يشكو الجريح إلى الجريح وجهده … بث الأسى وتوجع المتألم
فالأرض تسبح في زلازل رجفٍ … والجو يغرق في صواعق رجم
مهلاً دعاة العدل في الأمم التي … صاح الغزاة بشلوها المتقسم
نكيت بكم وأصابها من ظلمكم … بطش العسوف وغضبة المتهضم
هجتم عليها الحادثات ملحة ً … تلوي بأعراف الجمال الجشم
ردوا الأسنة عن حشاشة أمة ٍ … غضبى الفتوح إلى الأسنة تنتمي
زأرت فروعت الشعوب وإنما … ذكرت مفاخر عهدها المنصرم
بعثت إلى أمم السلام رسولها … فأثارها كالمارج المتضرم
حرباً على المتمردين شديدة ً … ترمي بأسراب المنايا الحوم
جوالة الغمرات دائبة القوى … تأتي وتذهب بالقضاء المبرم
هزت يمين محمدٍ بلوائها … ركن السماك وطوحت بالمرزم
حتى إذا هم الأمين بنفسه … دفع اللواء إليه غير مذمم
يا سيد الشهداء بعد رفيقه … أرضيت ربك في جهادك فاغنم
ليس الذي بدأ الجهاد فلم يمت … إلا كبادئ حجة ٍ لم تحتم
والناس في شرف الحياة وعزها … ضدان من ماضٍ وآخر محجم
وأجل ما رزق الرجال همامة ً … تنفي عرام المطلب المتجهم
تتجشم الصعب المخوف وعندها … أن المنية مركب المتجشم
مأوى الممالك والشعوب ومالهم … وصفوك ظلماً بالغريب المعدم
لك من يقينك ثروة ٌ إن قدرت … قيست كنوز العالمين بدرهم
إيمان ذي الإيمان أعظم ثروة ٍ … ويقين ذي الوجدان أفضل منجم
ضج النعاة فضج كل موحدٍ … وارتج ما بين الحطيم وزمزم
وتلفتت مصر لتنظر ما جنت … برلين من حدثٍ عميم المأتم
صدعت ببرقٍ كالصواعق هائلٍ … ورمت بطيرٍ في المشارق أشأم
واستأثرت بك وهي تعرف ضيفها … عرفان محتفل بمثلك مكرم
برلين لا تدعي لضيفك حاجة ً … إلا انبعثت لها بغير تلوم
إن يغتبط بك لا يضع لك قومه … حق الحفي ولا يد المتكرم
أرأيت مطمع فاتحٍ لم ينقلب … وشهدت مصرع فارسٍ لم يهزم
لا تجحديه على التغرب حقه … فإذا جهلت مكانه فتعلمي
إن كنت ملء الجحفلين فإنه … ملء الأسنة والظبى والأسهم
مصر اللبانة لا أصابك ما بها … من مأتمٍ جللٍ وعيشٍ علقم
سئمت مصابرة الخطوب ومن يكن … غرض الحوادث كل يومٍ يسأم
ظمآى إلى ورد الحياة فإن ترد … ترد المنية في لعاب الأرقم
وإذا الممالك أشرقت أجواؤها … نكيت جوانبها بجو أقتم
خطر المهب يموج في متنفسٍ … يرمي بآجال النفوس مسمم
يستعصم الحر الأبي وقد مشى … عزريل بين جوانح المستعصم
بعثوا بصاحبهم يسائل مالنا … فثوى بمنزلة الأصم الأبكم
يبغي البيان وقد مضى مأثوره … ومن القضاء بيان ما لم يكتم
إن الحديث لو استطعنا منعه … حولين موصولين لم نتكلم
يا مصر حسبك ما رضيت من الأذى … وبرئت من ماضيك إن لم تنقم
ذهبت عهود المستبد ذميمة ً … ومضى زمان العاجز المستسلم
إن التي رمت الممالك باعدت … بين المضاجع والشعوب النوم
الأرض تركض بالشعوب حثيثة ً … فامشي على آثارها وترسمي
إن كان قيدك لم يحل فإنه … خلق المريب وشيمة المتوهم
سيري فما بك غير تلك ولا بنا … إلا مراقبة العدى واللوم
يا نازحاً لم نقض حق بلائه … الله جارك فاغتبط وتنعم
وانقض همومك عن فؤادك إننا … نلقى الهموم بكل أغلب أضخم
إن المناكب والنفوس بأسرها … لفداء مصر من المهم المؤلم
ماذا حفظت لأهلها من حرمة ٍ … وقضيت من حق عليك محتم
حيتك مصر على البعاد فحيها … ودعت مسلمة ً عليك فسلم
جاوزت حسن الصنع في خدامها … وكفيت سوء الذكر من لم يخدم
كذب المضلل لن ينالك سعيه … إلا إذا نال السماء بسلم
أقسمت مالك في جهادك مشبه … والحر مؤتمنٌ وإن لم يقسم
ما زلت تسرف في المغارم دائباً … حتى جعلت النفس آخر مغرم
أي القواضب بعدما قطع الظبي … ولوى الأسنة في الوغى لم يثلم
رددت صوتي في الرثاء وإنما … رددت من صوت الكنانة في فمي
حيتك في الملأ العلي وأزلفت … حور الجنان إليك شعر محرم
أسفي لأوبة راحلٍ لم تقضها … عدة المنى وتحية ٍ لم تنظم