يا غاديا ببريد الشام ينتحب … ماذا دهاك وماذا أنت محتقب
ما للحقائب ولهى لا قرار لها … ماذا تمج بها الأنباء والكتب
إني أرى الدم يجري من جوانبها … فالأرض حولك مخضلٌ ومختضب
أنصت لتسمع ما ضمت جوانحها … إني لأسمع فيها الحزن يصطخب
أفرغ غليل الأسى ناراً على كبدي … وخل قلبي لأخرى فيه تلتهب
هذي لمصر تؤدي الحق ناحية ً … وتلك للشام تقضي منه ما يجب
همان في كل جنبٍ منهما ضرمٌ … عالٍ وفي كل عينٍ واكفٌ سرب
عاثت يد الشر بالقطرين وانطلقت … في الأمتين عوادي الدهر والنوب
تغشاهما زمراً تحتثها زمرٌ … ترمي بها عصبٌ تقتادها عصب
ضاق الفضاء فما يمشي به نفسٌ … إلا يكاد على الأعقاب ينقلب
كأن للمرء من أعضائه رصداً … يكاد ينقض من عينيه أو يثب
ما يرهب المرء أو يرجو وقد نكبت … منا النفوس بعيشٍ كله رهب
أعدى على الشر يومٌ منه مختضر … لا خير فيه ويومٌ بعد مرتقب
يا أمة في ربوع الشام يوحشها … عيشٌ جديبٌ وربعٌ للمنى خرب
طاحت بآمالها الخضر اللدان يدٌ … خضر الحدائق في إعصارها حطب
عسراء سوداء يجري من أناملها … حتف الشعوب ويهمي الويل والحرب
لا تلمس الأرض إلا اسود جانبها … بعد الضياء وجف الماء والعشب
ماذا لقيت من القوم الألى كفرت … ممالك الشرق ما منوا وما وهبوا
ظنوا الحضارة لا تعدو منازلهم … ولا تجاوزهم أيان تنتسب
وأننا أممٌ فوضى مضللة ٌ … تظل في غمرات الجهل تضطرب
ضج الزمان ارتياعاً من جرائرها … وذاقت المر من أخلاقها الحقب
رموا بعهدك في هوجاء عاصفة ٍ … ما تستطاع ولا يرجى لها طلب
طارت فما علقت منها بأجنحة ٍ … نكب الرياح ولا همت بها السحب
ضاع الحمى واستباح الضيم جانبكم … أين الحماة وأين العطف والحدب
أين المواعيد تستهوي روائعها … منكم نفوساً أبياتٍ وتختلب
لا تعجبوا إن رأيتم موعداً كذباً … إن السياسة من أسمائها الكذب
ماذا ترجون من أمنٍ ومن دعة ٍ … المال يسلب والأرواح تنهب
يا أمة البأس أين البأس يمنعكم … يا أمة المجد أين المجد والحسب
لا تقبلوا الضيم واحموا من محارمكم … إن المحارم مما تمنع العرب
إني أرى أمم الغبراء يشغلها … جد الأمور فلا لهوٌ ولا لعب
إما الحياة يصون العز جانبها … عن الهوان وإما الحتف والعطب
ويلي على الجيرة الغالين يأخذهم … من طارق البؤس حتى العري والسغب
أزرى بهم من خطوب الدهر ما طعموا … وغالهم من هموم العيش ما شربوا
لو أنصفوا البأس لم ينزل بساحتيهم … ظلمٌ ولا شفهم همٌ ولا نصب
لا يعجب الفاتح المغتر إن غضبوا … إن الضراغم من أخلاقها الغضب
كأنني للأيامى الجازعات أخٌ … ولليتامى الألى ملوا الحياة أب
أحنوا وأعطف لا مالٌ ولا ولدٌ … لي بالشآم ولا قربى ولا نسب
ما هاجني شجن بالشام أطلبه … وإنما هاجني الإسلام والأدب
إن الحضارة دين الله نعرفها … في محكم الذكر لا ظلمٌ ولا شغب
الناس أهل وإخوان سواسية ٌ … في كل شيءٍ فلا رأسٌ ولا ذنب
العدل إن حكموا والحق إن طلبوا … والخير إن عملوا والبر إن رغبوا
حتى لو اعوج في أحكامه عمرٌ … هبت تقومه الهندية القضب
الحكم لله فرداً لا شريك له … ألا له الملك والسلطان والغلب
أقام الناس ديناً من جلالته … تهوي التماثيل عن ركنيه والنصب
قل للملوك أفيقوا من وساوسكم … زالت غواشي العمى وانشقت الحجب
فلا الشعوب تسام الخسف من ضعة ٍ … ولا الحقوق بأيدي العسف تغتصب
أشعلتم الحرب ملء الأرض ظالمة ٌ … فوضى المذاهب حمقى ما لها سبب
إذا تدافع فيها جحفلٌ لجبٌ … خاض الحتوف إليه جحفلٌ لجب
زجوا الملايين في أعماقها أمماً … يوفون بالذر إن عدوا وإن حسبوا
من كل أهوج قذافٍ بأمته … في جوف جاواء يذكيها ويجتنب
تدفق الدم لم يمدد إليه يداً … ولم يرعه رعافٌ منه ينسكب
أقوت خزائنهم فاستحدثوا ورقاً … يهفو مع الريح إلا أنه نشب
زادوا به الحرب من جهلٍ ومن نزقٍ … ما كف من مثله واستنكف الذهب
ظلت تهون على الأيام قيمته … حتى ترفع عنه الترب والخشب
يبتاع ذو الألف منه حين يملكها … أدنى وأهون ما يشرى ويجتلب
لو فارق الناس أو طاح الزوال به … إذن لزال عناء العيش والتعب
يا أمة الشام هل بالشام مبتهجٌ … والنيل من أجلكم حران مكتئب
صونوا البلاد وكونوا معشراً صبراً … لا يخفضون جناح الذل إن نكبوا
دعوا لفيصل ما تملي مشيئته … لا فيصل اليوم إلا المرهف الذرب
أمسى معنى الأماني ما تصان له … تلك العهود ولا يقضى له أرب
لم يلبس التاج حتى راح يخلعه … مشرداً في فجاج الأرض يغترب
كانت أماني أو أحلام ذي سنة ٍ … طارت فلا أممٌ منه ولا كثب
إن يفزع النيل والأردن ما بهما … فبالفرات وشطى دجلة العجب
ويح العراق وقومٌ بالعراق علا … ضجيجهم وتمادى منهم الصخب
طاش الرجاء بهم فالأمر مضطربٌ … فوضى بأرجائه والصدع منشعب
بغداد تنظر والأحشاء خافقة ٌ … والعين دافقة ٌ والقلب مرتقب
أين الرشيد وأيامٌ له سلفت … أين الحماة وأين الفتية النجب
دار السلام أهزتك الخطوب أسى ً … لما فجعت بهم أم هزك الطرب
أين الحضارة يحميها ويرفعها … للبأس والعدل منهم معقل أشب
جاءوا بغربية ٍ ما لاح طالعها … في الشرق حتى هوت عن أفقه الشهب
وحشية الدار والأنساب ما برحت … خلف الطرائد في الآفاق تنسرب
كل الشعوب لها في أرضه قنصٌ … ولك ما ملكت أيمانهم سلب
تمشي الضراء تصادينا وآونة ً … تنقض ضاحية ً يعدو بها الكلب
هبوا بني الشرق لا نومٌ ولا لعبٌ … حتى تعد القوى أو تؤخذ الأهب
ماذا تظنون إلا أن يحاط بكم … فلا يكون لكم منجى ً ولا هرب
كونوا به أمة ً في الدهر واحدة ً … لا ينظر الغرب يوماً كيف تحترب
الدين لله لا الإسلام يصرفها … عن الحياة ولا الأوثان والصلب
ما للسياسة تؤذينا وتبعدنا … عما يضم قوانا حين نقترب
أغرت بنا الخلف حتى اجتاح قوتنا … وطاح بالشرق ما تجني وترتكب
تقتاد شعباً إلى شعبٍ ومملكة ٍ … في إثر مملكة ٍ أخرى وتجتذب
أغارة ً جد رواد السلام بها … لولا الفريسة ما جدوا ولا دأبوا
تكشف الغرب وانصاحت مآربه … فلا الشكوك تواريها ولا الريب
لا عذر للقوم إن قلت انفروا فأبوا … الحزم مستنفرٌ والرأي منتدب
سيروا بني الشرق في ظل الإخاء عسى … أن تفلحوا ولعل الصدع برتئب