يا دهرُ ويحكَ ما عدا ممَّا بدا … أرسلتُ سهم الحادثاتِ فأقصدا
أغْمدتَ سيفاً مرهَفاً شَفَراتُه … قد كان في ذات الإله مُجرّدا
فافعلْ بجَهدِكَ ما تشاءُ فإِنني … بعدَ المعظَّم لا أُبالي بالرَّدى
ما خلتهُ يفنى وأبقى بعدهُ … يا بؤس عيشي ما أمرَّ وأنكدا
لهفي على بدرٍ تغيَّب في ثرى … رمسٍ وبحرٍ في ضريحٍ ألحدا
أبقيتَ لي يا دهرُ بعدَ فراقهِ … كبداً مقرَّحة ً وجفناً أرمدا
وجوى ً يُؤجّجُ بين أَثناءِ الحشا … ناراً تزايدُ بالدموعِ توقُّدا
لم كانَ خلقٌ بالمكارمِ والتُّقى … يبقى لكان مدى الزمانِ مُخلَّدا
أو كان شقُّ الجيبِ ينقذُ من ردى ً … شَقَّتْ عليكَ بنو أبيك الأكبُدا
أو كانَ يغني عنكَ دفعٌ بالقنا الـ … ـخَطيِّ غادَرَتِ الوَشيجَ مُقَصّدا
ولقد تمنَّتْ أنْ تكونَ فوارسٌ … من آل أيوبَ الكرامِ لكَ الفدا
أبكيتَ حتى نَثْرَة ً وطِمِرَّة ً … وحزنتَ حتى ذابلاً ومهنّدا
كم ليلة ٍ قد بتَّ فيها لا ترى … إلاّ ظهورَ الأعوجيّة ِ مرقدا
تَحمي حِمى الإسلامِ منتصراً لهُ … بعزائمٍ تستقربُ المستبعدا
ولرُبَّ ملهوفٍ دَعاهُ لحادثٍ … جَلَلٍ فكانَ جوابُه قبلَ الصَّدى
ولطالما شيمتْ بوارقُ كفّهِ … فهمتْ سحائبُها علينا عَسجدا
ما ضلَّ غمرٌ عن محجَّة ِ قصدهِ … إِلاَّ وكان لهُ إِليها مُرشِدا
يا مالكاً من بعدِ فقدي وجهَه … جارَ الزمانُ عليَّ بعدكَ واعتدى
أَعززْ عليَّ بأنْ يزورَك راثياً … مَن كان زاركَ بالمدائحِ مُنشِدا
كم مورِدٍ ضنكٍ وردتَ وطعمُه … مرٌّ وقد عافَ الكماة ُ الموردا
وعزيزِ قومٍ مترَفٍ سربلتَه … ذُلاّ وكان الطّاغِيَ المتمرّدا
أَركبتَه حلَقاتِ أَدهمَ قصَّرتْ … منه الخطا من بعدِ أشقرَ أجردا
لولا دفاعُكَ بالصوارِمِ والقنا … عن حوزة ِ الإسلامِ عادَ كما بدا
وديارُ مصرٍ لو ونتْ عزماتهُ … عن نصرها لتمكنتْ فيها العدا
ولأمستِ البيضُ الحرائرُ أسهماً … فيها سبايا والموالي أَعْبُدا
ولأصبحتْ خيلُ الفرنجِ مُغيرة ً … تجتابُ ما بينَ البقيعِ إلى كدى
وبثغرِ دمياطٍ فكم من بيعة ٍ … عبدَ الصليبُ بها وكانَت مسجدا
أنقذتها من خطَّة ِ الخسفِ التي … كانت أحلَّتها الحضيضَ الأوْهدا
أجلَيتَ ليلَ الكفرِ عنها فانطوى … وأنرتَ في عرصاتها فجرَ الهدى
ولقدْ شهدتكَ يومَ قيساريَّة ٍ … والشمسُ قد نسجَ القتامُ لها ردا
والكفرُ معتصمٌ بسورٍ مشرفِ الـ … أبراجِ أحكم بالصفيحِ وشيِّدا
فجعلتَ عاليها مكانَ أساسِها … وألنتَ للأخشابِ فيها الجامدا
قلْ للأعادي إنْ فقدنا سيّداً … يَحمي الذمارَ فقد رُزِقنا سيّدا
الناصرُ الملكُ الذي أضحى برو … حِ القدسِ في كلِّ الأمورِ مؤيَّدا
أعلى الملوكِ محلَّة ً وأسدُّهم … رأياً وأشجعُهم وأطولُهم يدا
ماضي العزيمة ِ لا يرى في رأيهِ … يومَ الكريهة ِ حائراً متردِّدا
يقظٌ يكادُ يريهِ ثاقبُ فكرهِ … في يومهِ ما سوفَ يأتيهِ غدا