مثلما يكمن اللّظى في الرّماد … هكذا الحبّ كامن في فؤادي
لست مغرى بشادن أو شاد … أنا صبّ متيّم ببلادي
هو حبّ لا ينتهي والمنيّة … لا ولا يضمحلّ والأمنيّة
كان قبلي وقبل الشّجيّه … كان من قبل في حشا الازليّه
خلّياني من ذكر ليلى وهند … واصرفاني عن كل قدّ وخدّ
كلّ حسناء غير حسناء عندي … أو أرى وجدها بقومي كوجدي
كلّ شيء في هذه الكائنات … من جماد وعالم ونبات
وقديم وحاضر أو آت … صائر للزوال أو للممات
أنت ما دمت في الحياة حياتي … فإذا ما رجعت للظلمات
واستحالت جوارحي ذرّات … فلتقل كلّ ذرة من رفاتي
ولتقل كلّ نفحة من ندّ … ولتقل كلّ دمعة في خدّ
ولتّقل كلّ غرسة فوق لحدي … وليقل كلّ شاعر من بعدي
ربّ ليل سهرته للصبّاح … حائرا بين عسكر الأشباح
ليس لي مؤنس سوى مصباحي … ونداء الملاّح للملاّح
تتهادى في السّير كالملكات … أو كسرب النّعام في الفلوات
مقبلات في النّهر أو رائحات … تحت ضوء الكواكب الزّاهرات
تتمشّى في صفحتيه النّسائم … فترى الموج فيه مثل الأراقم
يتلوّى ،وتارة كالمعاصم … كلف الماء بالنّسيم الهائم
هجع النّاس كلهم في المدينه … وتولّت على ((نويورك))السّكينة
وجفوني، بغمضها، مستهينه … لا ترى غير طيف تلك الحزينه
ذاك ليل قطعته أتأمّل … رسمها الصّامت الذي ليس يعقل
وبناني مع خاطري تتنقل … بين هذا الحمى وذاك المنزل
ههنا رسم منزل اشتهيه … ههنا مربع أحبّ ذويه
ههنا رسم معهد كنت فيه … مع رفاقي أجرّ ذيل التّيه
كم تطلعت في الخطوط الدّقيقه … ولثمت الطّرائق المنسوقه
قنعت بالخيال نفسي المشوقه … ليت هذا الخيال كان حقيقه
يا رسوما قد هيّجت اشواقي … طال ، لو تعلمين، عهد الفراق
أين تلك الكؤوس ، أين السّاقي؟ … أين تلك الأيّام، أين رفاقي؟
يارسوم الرّبوع والأصحاب … بحياتي عليك بالأحباب
أخبرني فقد عرفت مصابي … أترى عائد زمان التّصابي
سبقتني دنيا أرادت لحافي … فأنا الآن آخر في السّباق
نصف عمري نصفي الباقي … كرثاء الأوراق للأوراق
ما تراني إذا تغنّى الشّادي … ومضى في الغناء والإنشاد
فأطار الأسى عن الأكباد … أحسب العود في يديه ينادي
وإذا ما جلست تحت الظّلام … أرقب البدر من وراء الغمام
رنّ في مسمعي فهزّ عظامي … شبه صوت يقول للنوّام
وإذو ما ذهبت في البستان … بين زهر الخزام والأقحوان
أسمع الهاتفات في الأفنان … قائلات وللكلام معان
وإذا ما وقفت عند الغدير … حيث تمشي الطّيور خلف الطّيور
خلت أنّ الأمواه ذات الخرير … قائلات معي لأهل الشّعور
ما لقومي وقد دهتها الدّواهي … بالذي يطفىء النّجوم الزّواهي
ويثير (الحماس) في الأمواه … قعدوا بين ذاهل أو لاه
هي أمّ لكم وأنتم بنوها … حفظت عهدكم فلا تنكروها
أنتم أهلها وأنتم ذووها … لا تعينوا بالصّمت من ظلموها
كن نبيا يستنزل الإلهاما … كن مليكا يصدر الأحكاما
كن غنيا ، كن قائدا ، كن إماما … كن حياة،كن غبطة، كن سلاما
شوق يروح مع الزّمان ويغتدي … والشّوق ، إن جدّدته يتجدّد
دع عنك نصحي بالتّبلّد ساعة … يا صاح، قد ذهب الأسى بتبلّدي
ما زاد في أسف الحزين وشجوه … شيء كقولك للحزين تجلّد
ما زلت أعصيه إلى أن هاجني … ذكر الحمى فعصيت كلّ منفّد
وأطار عن جفني الكرى وأطارني … عن مرقدي مشي الهموم بمرقدي
في جنح ليل مثل حظّي حالك … كالبحر ساج … مقفر كالفدفد
أقبلت أنظر في النّجوم مصعدا … عيني بين مصوب ومصعد
أو واجف أو راجف مترجرج … أو ظافر أو حائر متردّد
يمشين في هذا الفضاء وفوقه … وكأنّما يمشين فوق الأكبد
والبدر منبعث الشّعاع لطيفه … صاف كذهن الشّاعرالمتوقّد
ما زال ينفذ في الدّجى حتّى استوى … فيه ، فيا لك أبيضا في أسود
والشهب تلمع في الرّفيع كأنّها … أحلام أرواح الصّغار الهجّد
ينظرون عن كثب إليه خلسة … نظر الملاح إلى الغرير الأمرد
فعجبت مّمن نام ملء جفونه … والكون يشهد مثل هذا المشهد
ورأيتني فوق الغمام محلقا … في الأفق ما بين السّهاوالفرقد
فسمعت صوتا من بعيد قائلا … يا أيّها السّاري مكانك تحمد
ما دمت في الدّنيا فلا تزهد بها … فأخو الزّهادة ميت لم يلحد
لا تقنطنّ من النّجاح لعثرة … ما لا ينال اليوم يدرك في غد
كم آكل ثمرا سقاه غيره … دمه ، وكم من زارع لم يحصد
لو كان يحصد زرعه كلّ امرىء … لم تخلق الدّنيا ولم تتجدّد
بالذكر يحيا المرء بعد مماته … فانهض إلى الذكر الجميل وخلّد
فلئن ولدت ومتّ غير مخلّد … أثرا فأنت كأنّما لم تولد
حتّى م في لا شيء يقتتل الورى … إنّ الحمام على الجميع بمرصد
طاشت حلوم المالكين ، فذاهل … لا يستفيق وحائرلا يهتدى
وأفقت ، إذ قطع الكلام مكلّمي … فنظرتني فإذا أنا لم أصعد
ما للكواكب لا تنام ولا تني … قد طال سهدك يا كوكب فارقدي
كم تنظرين إلى الثّرى من حالق … ما في الثّرى لأخي الأسى من مسعد
أو تريني عندما اشتّدّ الدّجى … واشتدّ دائي نام عني عوّدي
حتّى لقد كاد القريض يعقّني … ويصون عنّي ماءه وأنا الصّدى
أمسي أهمّ به ويظلع خاطري … فكأنّما أنا ماتح من جلمد
لا تسألني لم سهدت فإنّني … لو كان في وسعي الكرى لم أسهد
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها … ما خلت أمري قطّ يخرج من يدي
في أضلعي نار أذابت أضلعي … ومشت إلى كبدي ولّما تخمد
أخشى على الأحشاء من كتمانها … وأخاف أن أشكو فيشمت حسّدي
ومليحة لا هند من أسمائها … كلاّ، وليست كالحسان الخرّد
نشز الجواري والإماء تمردّدت … وونت فلم تنشز ولم تتمرّد
في النّفس منها ما بها من دهرها … أزكى السّلام عليك أرض الموعد
يا ليت شعري كم أقول لها انهضي … وتقول أحداث الزّمان لها اقعدي
ليس الذي لاقته هينا إنّما … حمل الأذى هين على المتعوّد