وَطَارِقِ لَيْلٍ مِنْ عُلَيّةَ زَارَنَا، … وَقَد كادَ عَني اللّيْلُ يَنفَدُ آخِرُهْ
فَقُلْتُ لَهُ: هَذا مَبِيتٌ، وَعِنْدَنا … قِرَى طَارِقٍ مِنّا، قَرِيبٍ أوَاصِرُهْ
كَرِيمٍ عَلَيْنَا زَارَنا عَنْ حَنَابَةٍ … بهِ اللّيلُ إذْ حَلّتْ علينا عَساكِرُهْ
فَبَاتَ وَبِتْنَا نَحْسِبُ اللّيلَ مُصْبحاً … بها عندَنا، حَتى تَجَرّمَ غَابِرهْ
فَلَوْ لمْ تكنْ رُؤياً لأصْبَحَ عِنْدَنَا … كَرِيمٌ من الأضْيافِ عَفٌّ سَرَائرُهْ
فَيا لَعِبَادِ الله كَيْفَ تَخَيّلَتْ … لَنَا بَاطلاً لَمّا جَلا اللّيْلَ نائرُهْ
إلى أسَدٍ سِيري فَإنّ لِقَاءَهُ … حيا الغيثِ يُحيي ميّتَ الأرْضِ ماطرُهْ
إلَيْكَ أبَا الأشبالِ سارَتْ وَخَاطَرَتْ … عَوَادِيَ لَيْلٍ كَانَ تُخشَى بَوادرُهْ
لِتَلْقَى أبَا الأشْبَالِ، وَالمُسْتَغِيثُهُ … من الفَقْرِ أوْ خَوْفٍ تُخافُ جَرَائرُهْ
كَفاهُ الذي تَخشَى منَ الخَوْفِ نفسُه … وَسُدّتْ بإعطاءِ الألُوفِ مَفاقِرُهْ
دَعاني أبُو الأشْبَالِ وَالنِّيلُ دُونَهُ، … وَأيُّ مُجِيبٍ إذْ دَعَاني وَزَائِرُهْ
وَما زَالَ مُذْ كَانَ الخُماسِيَّ يَشترِي … غَوَاليَ مِنْ مَجْدٍ عِظَامٍ مَآثِرُهْ
يَعُودُ على المَوْلى نَدَاهُ وَمَالُهُ، … وَقد عزّ وَسطَ القَوْمِ من هَو ناصِرُهْ
عَلَتْ كَفُّكَ اليُمنى، طِعاناً ونائلاً، … يَدَيْ كلِّ مِعْطَاءٍ وقِرْنٍ تُساوِرُهْ
وَأنْتَ الذي تُسْتَهْزَمُ الخَيْلُ باسمهِ … إذا لحِقَتْ وَالطّعْنُ حُمْرٌ بَصَائرُهْ
وَدَاعٍ حَجَزْتَ الخَيْلَ عنهُ بطَعنةٍ … لهَا عَانِدٌ لا تَطْمَئِنّ مسابِرُهْ
وَقَد عَلِمَ الدّاعِيكَ أنْ ستُجيبُهُ … بحَاجِزَةٍ، وَالنّقْعُ أكْدَر ثَائِرهْ
عطَفْتَ عليهِ الخيلَ من خَلفِ ظهرِهِ … وَقَدْ جاءَ بالمَوْتِ المُظلِّ مَقادِرُهْ
رَدَدْتَ لَهُ الرّوحَ الذي هوَ قَدْ دَنَا … إلى فِيهِ مِنْ مَجْرٍ إلَيْهِ يُبَادِرُهْ
وَأنْتَ امْرُؤٌ يَبْتَاعُ بالسّيْفِ ما غَلا … وَبالرّمح لمّا أكْسَدَ الطّعنَ تاجِرُهْ
مَكارِمَ يُغْلِيها الطِّعَانُ إذا التَقَتْ … عَوالٍ مِنَ الخَطّيّ، صُمٌّ مكاسِرُهْ
وَأنْتَ ابنُ أمْلاكٍ وَكانتْ إذَا دَعَا … إلَيْها نِسَاءُ الحَيّ تَسْعَى حرَائرُهْ
يَداكَ يَدٌ إحداهُما النّيلُ وَالنّدى، … ورَاحَتُهَا الأخْرَى طِعَانٌ تُعاوِرُهْ
ولَوْ كانَ لاقاهُ ابنُ مامَةَ لانتَهَى … وَجُودُ أبي الأشبالِ يَعلُوهُ زَاخرُهْ
فَما أحيَ لا أجعَلْ لساني لِغَيْرِكُمْ، … وَلا مِدَحي مَا حَيّ للزّيتِ عاصِرُهْ
فَلَوْلا أبُو الأشْبَالِ أصْبَحْتُ نَائِياً … وَأصْبَحَ في رِجْلَيَّ قَيْدٌ أُحَاذِرُهْ
تَدارَكَني مِنْ هُوّةٍ كانَ قَعْرُهَا … بَعِيداً وَأعْلاها كَؤودٌ مَصَادِرُهْ
فَأصْبَحْتُ مِثْلَ الظّبْيِ أفلتَ بعدما … منَ الحَبلِ كانَتْ أعلَقَتهُ مَرَائِرُهْ
طَلِيقاً لِرَبّ العالَمِينَ، وَللّذِي … يَمُنّ عَلى الأسْرَى وَجَارٍ يُجاوِرُهْ
طَلِيقَ أبي الأشْبَالِ، أصْبَحَ جَارُهُ … على حَيثُ لا يدنو من الطَّوْدِ طَائِرُهْ
فَمَا أنَا إلاّ مِنْكُمُ مَا تَعَلّقَتْ … حَيَاتي إلى اليَوْمِ الّذي أنَا صَائِرُهْ
وَمَا لي شَيْءٌ كَانَ يُوفي بِنِعْمَةٍ … عَليّ لَكُمْ مِنْ فَضْلِ ما أنا شاكِرُهْ
وَلَوْ أنّ نَفْساً لي تَمَنّتْ سِوَى الذي … لَقِيتُ لَكَانَ الدّهْرُ بي ذَلّ عاثِرُهْ