هوَّنَ باللَّيلِ عليها الغررا … أنَّ العلا مقيداتٌ بالسَّرى
فركَّبتْ بسوقها رءوسها … حتى تخيلنا الحجولَ الغررا
تحسبها عجرفة ً وورهاً … فيما ترى خابطة ً ليستْ ترى
تنضى النَّهارُ شملة ً جونيَّة ً … وتلبسُ اللَّيلَ رداءً أخضرا
ترى بما تجهضُ منْ سخالها … لحماً مضيغاً ودماءً هدرا
علَّمها النَّومُ على رباطها … ذليلة ً أنْ تستطيبَ السَّهرا
كلُّ ابنِ ذاتِ أربعٍ تحسبهُ … ذاتَ جناحينِ إذا تمطَّرا
ينتشرُ الأرضَ فلا يردعه … كيفَ طواها عنقاً أو حضرا
يرى الظَّلامَ بشهابيْ قابسٍ … لا يستميحانِ النُّجومَ خبرا
تكارها شمسَ الضُّحى وأقسما … على الدُّجى لا يصحبانِ القمرا
إنْ غابَ شخصُ مقلتيهِ أبصرتْ … أذناهُ هلْ خبِّرتَ سمعاً بصرا
يلهبُ قرعُ السُّوطِ منهُ مرجلاً … يجيشُ صدراً ويجيشُ منخرا
يعطي الشَّكيمَ ساءهُ أو سرَّهُ … لحياً أبيَّاً أو عذاراً أصعرا
يظما فلا يشرعُ مسبوقاً على … صافية ٍ ولو تكونُ الكوثرا
عافَ البقايا أنَّهُ منتتجٌ … في معشرٍ لا يشربونَ السُّؤرا
يأنفُ منْ ماءِ الزكيِِّ أنَّهُ … في الأرضِ أو تسقي السَّماءُ المطرا
كالنَّجمِ في نهارهِ وليلهِ … إما ارتفاعا سارَ أو منحدرا
ذلكَ دأبُ ربَّهِ ودأبهُ … ما استقدما فشاورا التَّأخرا
إذا أصابا وطراً من العلا … فذاكَ أو فيبلغانِ العذرا
للهِ مفطورٌ على سوددهِ … إذا رأى العجزَ غماراً شمَّرا
يصرفُ عنْ بيتِ الهوانِ وجههُ … وإن ضفتْ أفياؤهُ وخضرا
يريهِ صدرَ اليومِ ما في غدهِ … رأيٌّ إذا الرأيُ أصرَّ أبصرا
يأوي إلى بديهة ٍ في عزمهِ … تطلعهُ قبلَ الورودِ الصَّدرا
تنصرهُ الوثبة ُ في أوانها … إذا الهوينى خانتِ المنتظرا
لا يعلقُ الأعداءُ في أتباعهِ … بعينهِ فيعظمونَ الأثرا
وكلُّ منْ قصَّرَ عن عدوهِ … أعظمهُ ضرورة ً لا خيرا
كاللَّيثِ يقلى وهو يطرى أو كما … نافقَ أعداءٌ وزيرَ الوزرا
قادحهمْ ففازهمْ أروعُ ما … قامرَ في العلياءِ إلاَّ قمرا
مقلِّبٌ جانبهُ وحظُّهُ … من السُّعودِ سفراً أو حضرا
تواصتِ الأقدارُ أنْ تمضي على … تدبيرهِ جارية ً كما جرى
وغيرهُ والنُّقصُ حظُّ غيرهِ … إنْ أحمدَ الآراءَ ذمَّ القدرا
عضَّ العدا أظافراً منْ بعدهِ … تدمى ولمْ ترزقْ عليها الظَّفرا
ولمْ يكنْ من شرفِ الدِّينِ لمنْ … يندمُ إلاَّ أنْ يعضَّ الحجرا
ولا لدارٍ فاتها ودولة ٍ … منهُ سوى أنْ أقويا وأقفرا
أبصرها بلهاءَ جاهليَّة ً … ذاتَ فسوقٍ لا تخافُ النُّذرا
مجنونة َ الودادِ إما عاهدتْ … لمْ يكُ إلاَّ الغدرَ والتغيُّرا
أشهى خليليها إليها خلَّة ً … منْ كانَ أدمى همَّة ً وأحقرا
تكيلُ بالجورِ إذا ناصفها … وتنبذُ العرفَ تراهُ منكرا
نافرة ً منْ ذي اليمينِ إذا … قوَّدها حتى تطيعَ الأبترا
فردَّها بالعتبِ ردَّ ناقدٍ … غالطَ فيها النَّفسَ حتى استبصرا
ألقى على غاربها حبالها … منْ بعدِ ما متَّعها وأمهرا
على أوانَ شوَّهتْ وعُنِّستْ … وسُلبتْ جمالها والخفرا
تناحلوها شرهاً وزاحموا … عجزاً شفيرَ جرفها المهوَّرا
فطرَّفوا منها بشلوٍ ميِّتٍ … وأكثروا فيهِ الجدالَ والمرا
مرَّ وولاَّهمْ رزايا سرحها … يدَّبرونَ منهُ أمراً مدبَّرا
يا ليتَ شعرَ الملكِ منْ عذيرهُ … بعدكِ مما جرَّ عجزُ السُّفرا
ودولة ٍ أسلمها عميدها … كيفَ يظنُّ كسرها أنْ يجبرا
وهلْ لها أنْ تستوي قائمة ً … ما لمْ تجدكَ النَّاعمَ المقدَّرا
وكيفَ يرجى عندَ ذؤبانِ الغضا … في الغيلِ أنْ تحمي حمى أسدِ الشِّرى
خطوتها مستقدماً أمامها … لمَّا رأيتَ خطوها إلى ورا
نجَّاكَ منها أنْ ترى مهتصراً … بغمرة ٍ حاشاكَ أو مقتسرا
يدٌ علتْ عن أن يكونَ فوقها … يدٌ ونفسٌ لا تطيعُ الأمرا
ونخوة ٌ سيماءُ فارسيَّة ٌ … شمَّاءُ لا تعطى الخزامَ منخرا
أفدتها كفاية ً جامعة ً … منها وظلاً فوقها منتشرا
فهي إذا ذكرتْ مع خطَّابها … تقولُ كلُّ الصَّيدِ في جوفِ الفرا
غداً تلظَّى تشتكي أوامها … إلى الفراتِ وهي تسقى الكدرا
واضعة ً جبينها لموسمِ الذُّ … لِّ وخديَّها جميعاً للثرى
قد غمزَ الأغمارُ في صعدتها … فهي تداعى خطلاً وخورا
حتى تلوذَ تستغيثَ ربَّها … منكَ وترجو ذنبها أنْ يغفرا
ويأخذُ الدَّهرُ بناصيتها … سوقاً فيأتيكَ بها معتذرا
قدْ أدَّبتهُ لكمُ جهلاتهُ … فيكمْ وإنْ جرَّبَ قوماً أخرا
جرياً على العادة في استصراخهِ … بعفوكمْ إذا هفا أو عثرا
فاستقبلوا منها مريرا قد حلا … لمجتنيكمْ وسقيماً قدْ برا
أصلحتمُ ببعدكمْ فسادها … والجرحُ لا يدملُ حتى يسبرا
وكلّ محبوبٍ إذا الوصلُ طغى … يوماً بهِ فظنُّهُ أنْ يهجرا
وزارة ٌ كمْ قدْ قدحتُ زندها … فيكمْ وكمْ قمتُ بها مبشِّرا
فلمْ تكذّبْ قطُ لي عائفة ٌ … فيها ولا خيِّبَ فألٌ زجرا
قدْ ثبتَ المعجزُ لي في صدقها … منْ طولِ ما صحَّ وتكرَّرا
كالوحي لو أنَّي خلقتُ ملكاً … طرتُ بهِ لكنْ خلقتُ بشرا
فانتظروها إنَّما ميعادها … غدٌ ويا قربَ غدٍ منتظرا
فعندها يبردُ حرُّ أضلعٍ … يوقدُ شوقي بينهنَّ شررا
وعندها يحلو بعيني وفمي … ما قدْ أمرَّ الماءُ عذباً والكرى
ويكمدُ الحاسدُ والشَّامتُ بي … بفرطِ ما قدْ أكلاني أشرا
كاشفني بعدكمُ بغلِّهِ … منْ كانَ يخشى جانبي مستترا
وكلُّ جبسٍ يدهُ ووجههُ … منْ حجرٍ يلقمُ منِّي حجرا
واجهَ بالعصيانِ فيَّ أمركمْ … والدَّهرُ لا يعصيكمُ لو أمرا
كنتُ لهُ ذريعة ً إليكمُ … وكنتمْ بالعلجِ مني أبصرا
فجنِّبوني عفوكمْ عنهُ غداً … أكنْ لكمْ منهُ ولي منتصرا
يا عشبَ أرضي وسماءَ روضتي … ودارَ أمني يومَ أرعى الحذرا
ومنْ إذا عرِّيَ من ظلِّهمْ … ظهري فقدْ ألقيتُ شلواً بالعرا
قدْ أكلتنا بعدكمْ فاغرة ٌ … أنيابها قبلَ العضاضِ جزرا
لمْ يتأسَّ بنتاجٍ إذا أتتْ … ضيفٌ ولمْ توقدْ لها نارُ القرى
تعترقُ العظمَ كما تسترطُ الل … حمَ وجلَّتْ أن تحصَّ الوبرا
فنظراً وإنْ نأتِ داركمُ … وأرشدوا لمنْ يقولُ نظرا
يا فرحة ً يومَ أرى رايتكمْ … تلاوذُ الرِّيحَ تؤمُّ العسكرا
ونشرَ أيديكمْ وأعراضكمْ … بالزَّابِ يلقاني وشاطى عكبرا
والأمرُ فيكمْ؛ لا يطاعُ لقبٌ … زورٌ ولا يراقبُ اسمُ مفترى
لا غروَ إنْ كفيتها مستوزرا … بالأمسِ أنْ تكفيها مؤمَّرا
آملها وكيفَ لا يأملُ أنْ … يراكَ شمساً منْ رآكَ قمرا
أنا الذي لو سجدَ النَّجمُ لكمْ … ما كنتُ مرتاباً ولا مستنكرا
ولو مسحتمْ زحلاً ببوعكمْ … رجوتُ بعدُ لعلاكمْ مظهرا
أقذيتُ أبصارَ العدا بمدحكمْ … فساوروني أحوصاً وأخزرا
ولمْ أراعِ فيكمْ تقيَّة ً … منْ كبدٍ غيظتْ وصدرٍ أوغرا
على سبيلي في موالاتكمْ … أمرَّ فرداً لا أخافُ الخطرا
وقاطناتٌ سائراتٌ معكمْ … تتبعكمْ محلَّة ً وسفرا
تشتاقُ منكمْ عامري أوطانها … ومنْ ثوتْ فيهمْ فقضَّتْ عمرا
لا تعدمونَ رسمها مردداً … عليكمُ وقسمها موفَّرا
ماكرَّ يومَ المهرجانِ وطراً … وصامَ ذو شهادة ٍ وأفطرا
قلتُ فأغضبتُ الملوكَ فيكمُ … وأنتمْ بي تغضبونَ الشُّعرا