ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ … إِمّا اِستَبَدَّ بِهِ طَغامُ بِلادِهِ
صَدَمَتهُ عاصِفَةُ الزَمانِ فَقَوَّضَت … بَيتاً بِناهُ عَلى رَجاءِ فُؤادِهِ
بَيتاً أَوَت فيهِ مَواكِبُ وَحيِه … وَتَمَشَّت الأَحلامُ بَينَ عِمادِهِ
قَصَدَته آمالُ الشَبابِ وَطالَما … كانَت عَذارى الحُبِّ من قُصّادِهِ
حَوِّل عُيونَك عَن مُشاهِدِه فَلَم … تُبقِ الحَوادِثُ مِنهُ غَير رَمادِهِ
ما شادَهُ ربُّ التَساهُل وَالوَفا … إِلّا لِيَهدِمَهُ عَلى عبّادِهِ
أَوَلَستَ تَسمَعُ كَيفَ يُنشَد مثخنٌ … تَتَصاعدُ الزَفراتُ مِن إِنشادِهِ
هذا فُؤادي تُستَباحُ دِماؤُهُ … مُستَقطراتٍ من جِراحِ ودادِهِ
قالَ الحسودُ غداةَ أَبصَرَ مَدمَعي … يَجري بِهِ بَصَري بِملءِ سوادِهِ
هذا ضَعيفٌ لا يَميلُ بِهِ الهَوى … إِلّا وَيعزفه عَلى أَعوادِهِ
يا عاذِلي لَيسَ اِعتِقادُك مُحكَماً … بِالشاعِرِ الباكي عَلى أَمجادِهِ
فَالشِعرُ لَو أَدرَكتَ وَحي حَقيقَة … وَالشاعِرُ الرَسّامُ طوعُ قِيادِهِ
لي مَوطِنٌ عاثَت بِهِ أَولادُهُ … فَبَكَت حُشاشَتُهُ عَلى أَولادِهِ
يَحيا أَمامَ عُيونَهُ جَلّادُه … وَيَموتُ لاثمَ قَبضَتي جَلّادِهِ
نَظّارُهُ وَهُمُ شعاعُ عُيونه … يَتَطَوَّعونَ اليَومَ لاِستِعبادِهِ
جُبَناءُ لا يَتَقَيَّأونَ بِحُكمِهِم … إِلّا مُراعاةً لَدى أَسيادِهِ
لا بَأسَ عِندَهُم إِذا لَعِبت بِهِ … أَفرادُه وَأذاهُ من أَفرادِهِ
فَهم الذِئابُ وَفي سَبيل وَظيفَةٍ … تَمشي أَظافِرُهُم عَلى أَكبادِهِ
لَهفي عَلى وَطَنٍ تُضامُ أُباتُهُ … وَيَسودُ فيهِ النَذلُ بِاِستِبدادِهِ
لَبِستُ غَرابيبُ الغِنى أَبرادَه … وَتَجَنَّدَ المُثريُّ لاِستِشهادِهِ
في مَوطِني شَعبٌ يَبيعُ بِفضَّةٍ … شَعباً يُقيمُ عَلى رُبى أَجدادِهِ
يَجتَرُّ عَن ظَمَأٍ نطافَ دمائِه … وَيريشُ نبلته عَلى أَجسادِهِ
مَن يَستَرِق قَوماً يَعيشُ بِمالِهم … فَلتَبصُقِ الدُنيا عَلى أَلحادِهِ
اعروسَ شعري يا صَدى قَلبي الَّذي … حالَت عَبيدُ الظُلمِ دونَ جِهادِهِ
كوني شُعاعاً في سَراج صَبابَتي … فَالناسُ عامِلَة عَلى إِخمادِهِ
كوني حُساماً لا يَملُّ غرابُه … لِتَخُلِّصي المَسجونَ من أَصفادِهِ
وَاِمشي بِأَعصابِ الحَقودِ وَأَضرِمي … نارَ السَلامِ تدبُّ في أَحقادِهِ
وَتَبَسَّمي لدمٍ أُذوِّبه على … قَلَمي الَّذي خَلَّدَتهُ بِمدادِهِ
وَكَما هَديتِ أَبا نواس إِلى العلى … فَاِهدي فُؤادي فهوَ من أَحفادِهِ
في صَوتِكِ الساجي لبانة عامِل … يَسمو بِها في الحُزنِ عَن أَضدادِهِ
ما لامَسَت قَلبي سحابَةُ علةٍ … إِلّا وَكانَ غناكِ من عَوّادِهِ
أَعروسُ شِعري في بِلادي نزوَةٌ … سَلَبت مِن المَفئودِ عذبَ رُقادِهِ
لُبنانُ يرضى شوكِه تاجاً لَهُ … وَيُذيبُ نقمتهُ على أَورادِهِ
كَم في رُبى لبنان من مُتَشاعرٍ … نامي الفَسادَ مُفاخِرٍ بِفَسادِهِ
يملي الَّذي أَملاهُ غَيرُ يراعه … وَيَقولُ ذا شعري ووحيُ رشادِهِ
أَيَعيشُ في الماضي وَيَترك غَيرَه … يَبني الجَديدَ عَلى رُسومِ بِلادِهِ
وَيُفاخِرونَ بِهِ لِأَنَّ نسيجَه … كَنَسيجِهِم وَمُرادُهُم كَمُرادِهِ
فَهم الَّذين يُقَدِّسونَ قَديمَهُم … لا يَترُكونَ الرَثَّ من أَبرادِهِ
لا يَفتَأونَ يردّدونَ بِجَهلِهِم … ما تنتنُ الآذانُ من تردادِهِ
أَينَ الأُلى رَفَعوا أَريكَةَ عزِّه … وَبَنوا مَغاني المَجد فَوقَ نجادِهِ
الجالِسونَ عَلى عروشِ جَلالِهِ … وَالمالكونَ عَلى ذُرى أَطوادِهِ
اللابسونَ بسطوةٍ أَبرادَهُ … وَالمُضرِمونَ البَأسَ في أَجنادِهِ
ذَهَبوا وقد بَذروا سَنابِل زرعِهِم … فَتَسارَعَت غِربانُنا لِحِصادِهِ