ما أحسن الصبر فيما يحسن الجزع … وأوجد اليأس ما قد أعدم الطمع
وللمنايا سهام غير طائشة … وذو النهى بجميل الصبر مدرع
فإن خلت للأسى في شجوها سنن … فطالما أحمدت في كظمها البدع
وللفجائع أقدار وأفجعها … للنفس حيث ترى أظفارها تقع
كأن للموت فينا ثأر محتكم … فما بغير الكريم الحر يقتنع
قد خبرت نفس إسماعيل في يده … أن ليس عن حرمات المجد يرتدع
فاحتسبوا آل اسماعيل ما احتسبت … شم الربى من غمام الغيث ينقشع
واحتسبوا آلا إسماعيل ما احتسبت … خيل الوغى من لواء الجيش ينصرع
ماذا إلى مصر من بر ومن كرم … بعثتم مع وفد الله إذ رجعوا
حجوا به بهلال الفطر وانقلبوا … فاستودعوه ثرى مصر وما ربعوا
فأي قدر رفيع حان محله … في النعش يوما على أكتافهم رفعوا
وأي مختشع لله متضع … حر الشمائل في حر الثرى وضعوا
وغادروه ولا عذر بما فعلوا … وودعوه ولا باك لمن ودعوا
تغدو عليه حمام الأيك باكية … وتستهل على أكنافه القلع
والريح تهدي له من كل عارفة … عرفا وتحمل عنه فوق ما تدع
فاستشعروا آل إسماعيل تعزية … يهدى لها واعظ منكم ومستمع
فإن غدا شعبكم في الله مفترقا … فإن شعبكم في المجد مجتمع
وإن يصدع قلوبا صدع شملكم … فالصبر كالشمس حيث الفجر ينصدع
وإن جزعتم فرزء لا يقوم له … فيض الدموع ولا يشفى له وجع
وإن صبرتم فمن قوم إذا بعثوا … لم يوه عزمهم ذعر ولا فزع
قد وطنوا أنفسا للدهر ليس لها … إلا من الذم أن يدنو لها جزع
كأنهم في نعيم العيش ما نعموا … وفي الفجائع بالأحباب ما فجعوا
لله من حرم الأموال ما بذلوا … جودا ومن حرم الجيران ما منعوا
وما كسوكم من المجد الذي لبسوا … واستحفظوكم من الصبر الذي شرعوا
فاربط لها يا أبا مروان جأش فتى … سما فأتبع حتى عاد يتبع
وقد عضضت على ناب البزول فلا … يغنيك حسن العزاء الأزلم الجذع
دهر شجاك وقد وفاك تعزية … جلت فليست بغير القلب تستمع
بشرى لمن زود التقوى لمنقلب … حياه مدخر فيه ومطلع
بميتة في سبيل الله أسلمه … فيها إلى ربه الأبناء والشيع
في حجة برها في الله متصل … بالمحرمين عن الأوطان منقطع
لبى من الغاية القصوى فجاوبه … حور الخيام إلى لقياه تطلع
واستفتح الكعبة العياء فافتتحت … له إلى الجنة الأبواب والشرع
فكيف توحشك الدنيا إلى شيم … لذكرها في الورى مرأى ومستمع
تتلى فيعبق منها كل ذي تفل … ويعذب منها الصاب والسلع
قد حملت ألسن المثنين ما حملت … وأوسعت أيدي العافين ما تسع
كالغيث ينأى وما يخفى له أثر … والمسك يوعى وما يوعى له فنع
لطيب الذكر من حلم ومن ورع … لو كان للموت حلم عنه أو ورع
ومانع الجار من ضيم ومن عدم … لو أنه من حمام الحين يمتنع
ووازع الخطب عن قرب وعن بعد … لو أن صرف الرى من بعض ما يزع
وإن أقمت أبا مروان سنتها … شجوا فذو اللب في السلوان يبتدع
فاردد زفيرك عما لا مرد له … وارجع دموعك عمن ليس يرتجع
واستخلف العارض المنهل يخلفه … روض تصيف به مصر وترتبع
من كل بحرية شام يشام بها … حادي الجنوب فلا ريث ولا سرع
ينوب عن ضرم الأحشاء بارقها … وعن دموعك فيها الوابل الهمع
تزور في مصر قبرا قل زائره … لكنه للعلا والمجد مضطجع
وأكرم الغيث غيث عاد منتجعا … لأمن لم يزل للندى والجود ينتجع