لَمّا اِستَفاقَت عُيوني … في ذِلَّتي وَهَواني
عَزمتُ أَن أَتَعَرّى … مِن شهوَتي فَثَناني
وَقالَ لي الحُكم حُكمي … وَالأَمرُ طوع بناني
لا تَستَطيع التَغَنّي … في الحُبِّ عَن سُلطاني
وَالحُبُّ لا يَتَغَذّى … إِن لَم يَكُن شَهواني
فَلَم أَجِد لي مَفيضاً … يَوماً مِن الإِذعانِ
فَصِرتُ أَغذوهُ عاراً … وَالنَفسُ في تَيَهانِ
وَصارَ يُسكر روحي … بِنَغمَتَي خَفَقانِ
بِنَغمَةٍ مِن لَهيبٍ … وَنَغمَةٍ مِن دُخانِ
حَتّى ظَنَنتُ نَعيمي … في ذلِكَ البُركانِ
وَطَّأتَ لي كَنفَ الدُنيا فَقُلتُ قِفي … يا نَفسُ في مُنهَلِ اللَذّاتِ وَاِرتَشِفي
وَمالَ مذهب طَبعي عَن سَجِيَّتِهِ … حَتّى تَقَلَّب في بُطلِ وَفي صَلفِ
وَغابَ عَنِّيَ أَنّي عشبَةٌ نَبَتَت … عَلى جَوانِبِ إِبريق مِن الخَزفِ
عَلى جَوانِبِ إِبريقٍ إِذا نَظَرَت … عَين إِلى عَتقه اِنحَطَّت عَلى تَلَفِ
فَخّارَةٌ ذاتُ نَتنٍ … قَديمَة كَالزمانِ
مَرَّت قُرون عَلَيها … فَحال لَون الدهانِ
وَمَهَّد النِتنُ فيها … مَسارِبَ الديدانِ
فَخّارَةٌ دَنَّسَتها … خَواطِرُ الإِنسانِ
تَخاصَمَت جانِبيها … مَظالِمُ الأَديانِ
كَأَنَّما الدينُ فيها … ضَرب مِن الوَيلِ ثانِ
كَم مَرَّة أَوعَدَتها … ثَوائِرُ الغَليانِ
وَكَم تَفَجَّرَ فيها … بِالأَمسِ مِن بُركانِ
تَبقى قُروناً طِوالاً … وَتَمّحي في ثَوانِ
خَزّافها ذو حَنانٍ … حيناً وَذو سُلطانِ
يَنهى وَيَأمُر بِالصا … عِقاتِ وَالنيرانِ
ديدانُها مُسكَرات … بِخَمرَةِ التيجانِ
وَالتاجُ لَو هِيَ تَدري … مَعنى مِن البُهتانِ
فُخّارَةٌ جُبَلت بِالدَمعِ وَالطينِ … مِن عَهد قايينَ أَو مِن قَبلِ قايينِ
نيرونُ أَضرمُ فيها جَمرَ مُقلَتِهِ … تِلكَ البَراكينُ مِن أَجفانِ نيرونِ
تبادَرَتها مِن الديدانِ طائِفَة … أَبطال حَرب مِن الغُلبِ المَجانينِ
ما كانَ إِسكَندَرُ فيها سِوى شَبح … يَحجّب الشَمسَ عَن عَينَي ديوجينِ
ما كانَ جِنكيز إِلّا … شَرارَةٌ في الكَيانِ
تَضَرَّمَت وَتَوارَت … بَينَ الرَمادِ الفاني
رَبِّ المَغول إِله ال … نيرانِ وَالعِصيانِ
ثارَت عَلَيهِ كَما ثا … رَ سنَّةُ النيرانِ
وَالنارُ تَمحقُ إِلّا ال … تِذكار في الأَذهانِ
أَبقَت لِفارِسَ ذِكرى … كِسرى أَنوشروانِ
وَقَوَّضَت ما بَناهُ … مِن شاهِقاتِ المَباني
لَم تُبقِ إِلّا بَقايا … خَورَنق النُعمانِ
تِلكَ البَقايا عِظات ال … زَمانِ لِلإِنسانِ
تِلكَ البَقايا رُموزٌ … لِسُخرِيات الأَماني
أَينَ الَّذي شَيَّدتَهُ … جَلائِلُ الرومانِ
حُلم مِن المَجدِ أَبقى … أُسطورَة في اللِسانِ
شَرعُ المُقدّر أَلّا … يَبقى سِوى الخَسرانِ
أَما الكَمال فَحُلمٌ … في هَجعَةِ النُقصانِ
يُرقى إِلَيهِ رُوَيداً … عَلى مُتونِ الزَمانِ
عَلى الإِرادَةِ وَالتَض … حِياتِ وَالعُرفانِ
حَتّى إِذا حُكَّ كانَ ال … كَلامُ لِلطوفانِ
وَكانَ لِلنّارِ رَأيٌ … وَلِلدَّمارِ يَدانِ
أُمُّ الزَلازِلِ طوّا … فَةٌ بِكُلِّ مَكانِ
آثارها باقِيات … وَقفاً عَلى الأَجفانِ
وَالناسُ وآحسرَتاهُ … إِثنانِ مُختَلِفانِ
أَعمى لَهُ مُقلَتانِ … في العَقلِ مُبصِرَتانِ
وَمُبصِرٌ أَظلَمتهُ … عَينانِ لا تَرَيانِ
تُرى مَشيئَتُك العليا تُناديني … بِثَورَة النارِ في تِلكَ البَراكين
رَبّاهُ هَل يَنتَهي حِلمي بِبارِقَةٍ … مِن اللَهيبِ وَيَخبو الطينُ في الطين
وَهَل أَرى زاحِفاً في اللَيلِ مُلتَهِباً … بِجَمرَة السَخطِ في أَيدي الشَياطينِ
أَدعوكَ وَالظُلمَةُ الحَمراءُ تَحرِقُني … فَلا تُجيبُ وَتَلوي لا تنجّيني
أَعرَضتُ عَنكَ غداةَ القَلبِ ضَلَّلني … كَأَن شَهوَة قَلبي عَنكَ تُغنيني
وَحينَ أوقظتُ مِن سُكر الهَوى خَجَلاً … بَحَثتُ عَنكَ وَكادَ العارُ يخفيني
فَلَم تُمِل قَلبَكَ الرَحمن عَن أَلَمي … وَقلتَ تَطلُبني بَينَ المَساكين
لكِنَّني عُدتُ بَعد ال … تَكفيرِ عَن تَيَهاني
إِلى ذُنوبٍ جسامٍ … كَثيرَةِ الأَلوانِ
ملوِّثاتِ بِدَمعٍ … مُخَضّبات بِقانِ
وَقُلتُ لِلقَلبَ أَطلِق … في الموبِقاتِ عَناني
طيف الإله بَعيد … وَعَينه لا تَراني
وَقيل يَوم عَصيبٌ … يَنقضُّ قَبل الأَوانِ
تنفَّذ النار فيهِ … وَالحُكم للدّيانِ
فَرحتُ أَسأَلُ نَفسي ال … دفاعَ عَن كفراني
فَلَم أَجِد مَن يُحامي … عَنّي سِوى بُهتاني