لوْ كنتَ شاهِدَ عبْرَتِي يومَ النَّقا … لمنعتَ قلبَكَ بعدَها أنْ يعشَقا
ولَكُنْتَ أوَّلَ نازِعٍ مِنْ خُطَّتِي … يَدَهُ ولَوْ كُنْتَ المُحِبَّ المُشْفِقَا
وعذَرْتَ في أنْ لا اُطِيقَ تجلُّداً … وعجِبْتَ منْ أنْ لا أَذُوبَ تحرُّقا
ناشَدْتُ حادِيَ نُوقِهِمْ في مُدْنَفٍ … أبكى الحُداة َ بُكاؤُهُ والأيْنُقا
وَمَنَحْتُهُمْ جَفْناً إذا نَهْنَهْتُهُ … رَقأتْ جُفونُ الثّاكِلاتِ وَما رَقا
يا عَمرُو أيُّ عَظِيمِ خَطْبٍ لَمْ يكُنْ … خطْبُ الفراقِ أشدَّ منهُ وأوبقَا
كِلْنِي إلى عُنْفِ الصدودِ فرُِبما … كان الصدودُ منَ النوى بي أرْفَقا
قَدْ سالَ حتّى قَدْ أسالَ سَوادَهُ … طرْفِي فخالطَ دمْعَهُ المُتَرَقْرِقا
واستَبْقِ للأطلالِ فضلَة َ أدْمُعِ … أفنيتهُنَّ قطيعَة ً وتفرُّقا
أوْ فاستمحْ لي منْ خليٍّ سلْوة ً … إنْ كانَ ذُو الإثْراءِ يُسْعِفُ مُمْلِقا
إنَّ الظِّباءَ غداة َ رامَة َ لمْ تَدَعْ … إلاّ حَشى ً قَلِقاً وقَلْباً شَيِّقا
سنحَتْ فما منحتْ وكمْ منْ عارِضٍ … قَدْ مَرَّ مُجْتازاً عَلَيْكَ وَما سَقا
غِيدٌ نصَبْتُ لصَيْدِهِنَّ حبائِلا … يَعْلَقْنَهُنَّ فكُنْتُ فِيها أعْلَقا
ولَكَمْ نَهَيْتُ اللَّيْثَ أغلَبَ باسِلاً … عَنْ أنْ يَرُودَ الظَّبْيَ أتْلَعَ أرْشَقا
فإذا القضاءُ على المَضاءِ مُرَكَّبٌ … وإذا الشَّقاءُ مُوَكَّلٌ بأخي الشَّقا
ولقدْ سريتُ إذا السماءُ تخالُها … بُرداً براكِدة ِ النجومِ مُشَبْرقا
واللَّيلُ مِثْلُ السَّيلِ لوْلاَ لُجَّة ٌ … تغْشى الرُّبى بِأعَمَّ منْهُ وأعْمقا
وَمُشَمِّرينَ تَدَرَّعُوا ثَوْبَ الدُّجى … فأجَدَّ لُبْسَهُمُ الزَّماعُ وأخْلَقا
عاطيتُهُمْ كأْسَ السُّرى في ليلة ٍ … أمِنَ الظَّلامُ بِفَجْرِها أنْ يُشْرِقا
حتى إذا حسَرَ الصَّباحُ كأنَّهُ … وَجْهُ الوَجِيهِ تَبَلُّجاً وَتألُّقا
حطُّوا رحالَ العِيسَ منهُ بخيرِ منْ … هزُّوا إليهِ رقابَها والأَسْؤُقا
بأغَرَّ يَجْلو لِلْوُفودِ جَبِينُهُ … شمْساً تكُونُ لهَا المعالِي مُشرِقا
نزَلُوا فما وصلُوهُ مهجُوراً وَلا … فَتَحُوا إلى نُعْماهُ باباً مُغْلَقا
إنْ زُرْتَهُ فَتَوَقَّ فيض بَنانهِ … إنَّ البِحارَ ملية ٌ إن تُغْرِقا
وإذا أبُو الذَّوّادِ حاطَكَ ذائِداً … فقدْ أخذتَ منَ الليالِي موثِقا
يشتدُّ ممنُوعاً ويُكْرِمُ قادِراً … ويطُولُ محقُوقاً ويصفَحُ مُحْنقاً
لوْ أنَّ منْ يروِي حديثَ سماحِهِ … يرويهِ عنْ صوبِ الحيا ما صُدِّقا
صحِبَ الزَّمانَ وكانَ يَبْساً ذاوِياً … فسقَاهُ بالمَعرُوفِ حتّى أوْرقا
لا تذكُرَنَّ لَهُ المكارِمَ والعُلى … فتهِيجَ صبّاً أوْ تَشُوقَ مُشَوَّقا
عَشِقَ المحامِدَ وهْيَ عاشِقَة ٌ لَهُ … وكَذاكَ ما بَرِحَ الجَمالُ مُعَشَّقا
يجْرِي على سننِ المكارمِ فِعْلُهُ … خُلُقاً إذا كانَ الفَعالُ تخَلُّقا
لا يَمْنَحُ الإحسانَ إلاّ شامِلاً … خَيرُ الحَيا ما عَمَّ مِنْهُ وَطَبَّقا
كتَمَ الصنائعَ فاستشاعَ ثناؤُها … مَنْ ذَا يَصُدُّ الصُّبحَ عَنْ أنْ يُشْرِقا
قد حالَفَ العزْمَ الحميدَ فلمْ يخَفْ … خطْباً يُحاوِلُ فتْقَهُ أنْ يَرْتُقا
ورَمى إلى الغَرَضِ البَعِيدِ فَلَمْ يَبِتْ … أبداً بغيرِ المكْرُماتِ مؤَرَّقا
سامِي المَرامِ شريفُهُ إن تَدْعُهُ … لا تدْعُهُ للخطْبِ إلا مُقْلقا
إنْ جادَ فِي بِشْرٍ تُوُهِّم عارِضاً … أوْ حلَّ في نفرٍ تراءوا فيلَقا
تلقاهُ في هيجاءِ كلِّ مُلمة ٍ … بَطَلاً إذا شَهِدَ الكَرِيهَة َ حَقَّقا
كالمشرفِيِّ العضْبِ إلا أنَّهُ … أمضى شباً منهُ وأبهرُ رونَقا
جارى عِنانَ الفَضلِ في أمَدِ العُلى … أدْنى وأقْرَبُ شَأوِهِ أنْ يَسْبُقا
لا يُدْرِكُ الجارُونَ غايَة َ مَجْدهِ … مَنْ يَسْتَطِيعُ إلى السَّماءِ تَسَلُّقا
هيهاتَ يمنَعُ ذاكَ حقٌّ أخْلَقٌ … لا يُحْسِنُ العَيّوقَ فيه تحلُّقا
وَمِنَ التَّأخُّرِ أنْ يُقَدِّمَ وَاطِىء ٌ … قدماً على دحْضٍ أزلَّ وأزْلَقا
ما كلُّ مَنقبة ٍ يُحاولُ نيلُها … تُحوى ولا كلُّ المنازلِ تُرتَقا
يَا سَيِّدَ الرُّؤَساءِ أيُّ مُطاوِلٍ … أنْ يَستَطِيعَ بِكَ اللَّحاقَ فَيَلْحَقا
ماذا يُحاوِلُهُ المُغامِرُ بعدَما … وجَدَ المجالَ إلى قِراعِك ضَيِّقا
إنَّ الرياسَة َ لا تليقُ بغيرِ منْ … مُذْ كانَ كانَ بثديها متمطِّقا
بِغَنائِها مُتَكَفِّلاً وبِفَضْلِها … متوَحِّداً وبمُلْكِها مُتحقِّقا
كمْ فيكَ مُجْتَمِعاً منَ الحسناتِ ما … يُعْيِي ويُعْجِزُ فِي الوَرى مُتَفَرِّقا
وَلَبَّيْتِكَ الفَخْرُ الَّذِي لَوْ أنَّهُ … سامى السِّماكَ لكانَ منهُ أسْمَقا
منْ كانَ يفخَرُ أنَّهُ منْ أسرة ٍ … كرُمَتْ وَيَضْرِبُ فِي الكِرامِ مُعْرِقا
فَلْيأتِنا بِأبٍ كَمِثلِ أبِيكَ فِي الـ … ـعَلْياءِ أوْ جَدٍّ كَجَدِّكَ فِي التُّقا
أمّا دِمَشْقُ فَقَدْ حَوَتْ بِكَ عِزَّة ً … كَرُمَتْ بِها عَنْ أنْ تَكونَ الأبْلَقا
حصَّنْتها بسدادِ رأيكَ ضارِباً … سُوراً عليها منْ عُلاك وخندقا
وَحَمَيْتَ حَوْزَتَها بِهِمَّة ِ أوْحَدٍ … ما زالَ مَيْمُونَ الفَعالِ مُوَفَّقا
أمْطَرْتَها منْ فيضِ عدلِكَ أنعُماً … لا تُعْدِمُ الرُّوادَ رَوْضاً مُونِقا
إنْ أظْلَمَتْ كُنْتَ الضَّحاءَ المُجْتَلَى … أوْ أجْدَبَتْ كُنْتَ الرَّبِيعَ المُغْدِقا
وأنا الَّذِي أضحى أسيِرَ عَوارِفٍ … لكَ لا يودُّ أسيرُها أنْ يُطلَقا
أوْفى وأشرَفُ ما يُؤَمِّلُ آمِلٌ … أن لا يُرى منْ رِقِّ جُودِكَ مُعتَقا
أجْمَمْتُ جُودَكَ فکسْتَفاضَ سَماحَة ً … وإذا حبَسْتَ السيلَ زادَ تدَفُّقا
وَحَمَيْتُ آمالِي سِواكَ وعَاطِلٌ … منْ كانَ مِنْ مَنِّ اللئامِ مُطوَّقا
لمْ يُبْقِ سيبُ نداكَ موضِعَ نائلٍ … فهقَ الغديرُ وحقُّهُ أنْ يفهقا
ولئنْ مننتَ فواجِبٌ لكَ في الندى … إمّا نزعْتَ بسهمهِ أنْ يُغْرِقا
أُثْنِي عليكَ بحقِّ حمدِكَ صادِقاً … حسْبُ المعالِي أنْ تَقُولَ فتَصْدُقا
وَلَكَمْ يدٍ لَكَ لا يُؤَدّى حَقُّها … ما خَبَّ رَكْبٌ بِالفِجاجِ وأعْنَقا
أعْيَتْ ثَنايَ وَأوْجَبَتْ شُكْرِي لِسا … لفِها فأفحمَنِي نداكَ وأنطقا
خُذْها كَما حَيّاكَ نَوْرُ خَمِيلَة ٍ … خَطَرَ النَّسِيمُ بهِ ضُحى ً فَتَفَتَّقا
تأبى على الكِتمانِ غيرَ تضوُّعِ … مَنْ ذَا يَصُدُّ المِسْكَ عَنْ أنْ يَعْبَقا
عَذْراءُ لا تَجلُو الثَّناءَ عَلَيْكَ إطْـ … ـرَاءً وَلاَ تَصِفُ الَولاءَ تَمَلُّقا
تُحْيي حبيباً والوليدَ وتجتَبِي … لخلودِ فخرِكَ أخطلاً وفرزْدقَا
وكأنَّ تغريدَ الغريضِ مُرجَّعاً … فيها وعانِيَّ الرحيقِ مُعتَّقا
وكأنَّ أيامَ الصبابَة ِ رِقَّة ً … فِيها وَمُفْتَرَق النَّوى والمُلْتَقا
وقَدِ استَشادَ لَكَ الثَّناءَ فَما ترى … إلاّ بليغاً بامتداحِكَ مُفْلِقا
فَمَتَى تَغَنَّى الرَّكْبُ يَوْماً أوْ حَدا … لمْ يعْدُ مدْحَكَ مُشْئِماً أوْ مُعْرِقا
والدُّرُّ يَشْرُفُ قيمَة ً ويزيدُهُ … شرفاً إذا ما كانَ دُرّاً مُنْتَقا
مَنْ باتَ يسأَلُ رَبَّهُ أُمْنِيَّة ً … فالله أسْألُ أنْ يُطِيلَ لكَ البَقا