لك الحقُّ الذي يجبُ … وفضلك ليس يحتجب
ودون عُلاك ما تُنمى … إليه السَّبعة ُ الشُّهب
وفوْقَ ابن البتول ابن … وفوق ابن البتول أبُ
أتتني منكَ زائرَة ٌ … يقودُ هدِّيها الأدَبُ
زرَتْ بابن الحسينِ فما … له في الحُسْن منتسَبُ
ونادت بالرَّضى لقدْ … حكيت وفاتَكَ الشَّنب
تعالى الله من يهبُ الكمالَ … ونعْمَ ما يَهَبُ
تُغازلني معانيها … فتُسفِرُ ثمَّ تنتقِبُ
ولكن نغَّص المَسْرى … ودهري كلُّهُ عجبُ
وأوحَتْ عنك لي وَصَبا … تخطى مجدَكَ الوصَبُ
فصرْتُ كصاحبِ الضَّليلِ … دون الدَّرْب أنتحِبُ
فإنَّك ذُخري الأعلى … ومعقِلُ عزِّي الأشِبُ
وأنت جميعُ أسبابي … إذا ما أعوَزَ السبَبُ
وجدتُكَ عدتي وغنى … يدي إذا أذهِبَ الذهبُ
فلولا أنك اسبقَيْتني … والعقل مستلبُ
وبالدَّر النثيرِ شعبتَ … صَدعا ليسَ ينشعِبُ
فدتْك كواعِبُ الخضراء … لا عجَمٌ ولا عربُ
ودُمت الدَّهر في سُحُبٍ … من الآلاء تنسحِبُ
ألا بكيا روْضَ الجلال الذي ذَوي … على حين هزَّتهُ السماحَة ُ واستوا
وجادتْهُ أخلافُ الخلافَة ِ فارتوا … ونوحا على نجْمِ العلاء الذي هَوا
فأبرَزَ شمسَ الجوِّ في خلعَة ِ الجوا … فللهِ من ديوانِ فضلٍ قد انطوا
وعوجا بأكنافِ الضَّريح الذي حوا … من الجودِ والإفضال أسنى المراتِبِ
أقيما بحقِّ مأتمَ الباسِ والنَّدى … ولا تقفا خيْلَ الدُّموع إلى مدا
لبدرٍ جلى جنْحَ الرجا لِمن اهتدى … وغصْنٍ ذوى حينَ استوى وتأوَّدا
وسيف إمام أغمدتْهُ يدُ الرَّدى … ولا تأنسا ما راح ركبٌ وما غدا
ألا فابكيا غيث المواهِبِ والجدا … وليث الشَّرى نجلَ السُّراة الأطايب
هو الدَّمْع إن شحّتْ لخطب عيونُه … على ابن أبي عمرو يُذالُ مصونُه
فتًى حرَّك الأرجاء حزناً سُكنوه … وغالَتْ قصيات الأماني مَنونهُ
فحُثا سحابَ الدَّمْع تهمي هتونُهُ … عليه كما كانَتْ تصوبُ يمينَهُ
وجودا بوبْلِ الدَّمعِ تهمي شؤونُهُ … كما هملَتْ مزَنُ الغيوثِ السواكِبِ
وقولا لمن شُدَّت إليه نُسوعه … تُؤمِّل منه النصر فيما يروعُهُ
فيصرِخُه إن ضاقَ بالرَّوع روعُهُ … هو القدرُ المحتومُ حُمَّ وقوعُهُ
وبدرُ الليالي لا يُرجَّى طلوعُهُ … وقلب المعاني أسلمتْه ضلوعُه
ونوحا فإنَّ المجدَ أقوَتْ ربوعهُ … وزلزِلَ منه مشمخِرُّ الأهاضبِ
هصرْتَ ثمار العزِّ طيّبة الجنا … وشيَّدت مثوى الفخْرِ مستحكَمَ البِنا
وخلَّفت في الأرجاء من ذائِع الثنا … فضائِع لا يغتالُها طارقُ الفنا
وصيَّرت صعْبَ الشَّرق للغربِ هيناً … وكنت مسرّ اللخلوصِ ومُعلنا
وما كنتَ إلا البحر والطَّودَ والسَّنا … تضيءُ ضياء الزَّاهرات الثواقِب
ألهفاً عليها من خلالٍ كريمة ٍ … كروْضِ الرُّبا تفترُّ في أرض ديمة
ترفُّ جناها عن أصولٍ قديمة ٍ … ودرَّة ِ مجدٍ لا تُقاسُ بقيمة
تذودُ عن الأحرارِ كل عظيمة … وكم من معالٍ قد حويْت عظيمة
وما كنْتَ إلا حائزاً كل شيمة ٍ … من الفخْرِ سبَّاقاً لبذل الرَّغائب
إذا ذكر الحُجَّابُ في كل مشهَدٍ … وأملاكهُمُ في كلِّ هاد ومهتَد
ومعتمدٍ من بعدهم ومؤَيِّد … وعددت الآثارُ من كل أوحَد
كما زين نحْرٌ بالفريدِ المقلَّدِ … وكانوا نجوماً في الزمان لِمُهتَد
فما اختصَّت الأملاكُ مثل محمدٍّ … وما افتخرَتْ طول الزَّمان بحاجِب
محمَّد أحرزْتَ العلاءَ المكمَّلا … فعُلياكَ قد حطَّتْ سِواكَ وإن علا
فكنتَ الحيا والبدْرَ جوداً ومُجتلا … وسيفاً طريرَ الحدِّ منتظِمَ الحُلا
بلغْتَ التي ما فوقَها متمهَّلا … وما بالغ الإطنابُ فيكَ وإن غَلا
وما نالتِ الأشرافُ ما نلْتَ من عُلا … ولا لك ندٌّ في العلا والمناقِب
لأبديْتَ في التَّدبير كلَّ عجيبَة … بآراء كهلٍ في ثيابِ شبيبَة
فأعجزْتَ حُجَّاب العلا بضريبَة … من الله والخلقِ الحميد قريبَة
ونفسٍ إلى داعي الكمال مجيبَة ِ … تذوبُ حياءً وهي غيرُ مريبة
وإن خُصَّ منهم ماجِدٌ بنقيبة ٍ … فقد حُزتَ في العليا جميع المناقِب
كمُلْت فلم تلحَقْ عُلاك النقائصُ … سموت فلم يدرِكْ محلك شاخِصُ
وحثَّتْ لمغناكَ الرَّحب القلائِصُ … ورُدَّت بك الأهوالُ وهي نواكِص
فإن شئتَ إخلاصاً فؤادُكَ خالصٌ … ويارة ً ما حازها قطٌّ غائِص
نمتك إلى المجدِ الأصيلِ خصائِصُ … يقصِّرُ عنها نجلُ زيدٍ وحاجِبِ
هو البين حتماً لا لعلَّ ولا عسى … وماذا عسى يُغْني الولي وما عسا
ولو كان يُجدي الحزْنُ وينفعُ الأسى … لما وجدَتْ أنفاسُنا متنفَّسا
فكم بين من هدَّ البناء وأسَّسا … وليس سواءً أحسنَ الدهْرُ أم أسا
ظعنَتْ عن الدنيا حميداً مقدَّساً … وسرْتَ بريًّا من ذميمٍ المثالبِ
كذا البثُّ لا يُشفي بليتَ وعلَّني … أعالج أشجاني إذا الليلُ جنَّني
وأنهلني وِرْدَ الدُّموع وعلَّني … وما أنا عن حُزني عليك بمنثَني
فلم يُلهني ما طاب من عيشي الهَني … أقولُ لمن يبغي سلوِّي خلِّني
فبالله ما دمعي براقٍ وإنني … أكفكِفُ منه كالعهادِ السَّواكبِ
لبست الرِّضى في بدأة وتتمَّة ٍ … ودافعت عن مولاكَ كلَّ ملمَّة
كفيت إذا استكفاكَ كلَّ مهمة ٍ … ولم تألُ في صيتٍ بعيدٍ وهمَّة
وكنتَ أحقَّ المخلصينَ بنعمة ٍ … فقدسْتَ من إلٍّ كريم ورِمّة
وغمَّضك الرحمنُ منه برحمة ٍ … تبلِّغُك الزُّلفى وأقصى المآربِ
ترحَّلْت عن ربعٍ علمت غرورَهُ … وفارقْتَ مغناهُ وأخليت دورَه
ورافقْتَ ولدانَ الجنانِ وحورَهُ … ومن قدَّم الخير استطاب وَجوره
فضاعفَ في مثواكَ ربُّك نورهُ … ونضرتَهُ لقاكَها وسرورَهُ
وبوَّأك من أعلى الجنانِ قصورهُ … تحيِّيك فيها مسبلاتُ الذوائبِ
على مثله ثُكلاً تشيب المفارِقُ … وهل تخطىء المرءَ الخطوبُ الطوارِقُ
لقد شاقَني منك الحبيبُ المفارِقُ … فقلبي وأجفاني العقيقُ وبارِقُ
أصبْتُ بذخري منك والدَّهرُ سارقٌ … سأصحَبُ فيك الوجدَ ما ذرَّ شارقُ
عليك سلامُ الله ما لاحَ بارقٌ … وما سجعت وُرْق الحمام النَّوادبُ