لا يَخدعنَّكَ صِحة ٌ ويَسارُ … ما لا يدومُ عليكَ فهوَ معارُ
يغشى الفتى حُبَّ الحياة ِ وزينة َ الـ … ـدنيا وينسى ما إليهِ يصارُ
وإذا البصائرُ عن طرائق رشدها … عميتْ فماذا تنفعُ الأبصارُ
لا تغترر بالدهرِ إنْ وافاكَ … حالٍ يسرُّكَ إنّهُ غرَّارُ
انظرْ إلى من كانَ قبلكَ واعتبرْ … ستصيرُ عن كَثَبٍ إِلى ما صاروا
فيزول عنك جميعُ ما أوتيتَ في الـ … ـدنيا ولو زويتْ لكَ الأمصارُ
تزارُ الكرامُ ولا كرزءِ عشيرة ٍ … فجمعتْ بمن منهم إليهِ يشارُ
أو أرتجي خِلاً سِواكَ أَبثُّه … وسقى ضريحكَ وابلٌ مدرارُ
حتى تُرى جَنَباتُ قبركَ روضة ً … مخضرَّة َ ويحفُّهُ النُّوارُ
أَبكي عليكَ ولو وفتْ لك أدمعي … لتعجبتْ من مَدّها الأنهارُ
يا بدرُ كنتَ لنا اليمينَ وما عسى … تُغني إِذا مَضَتِ اليمينُ يسارُ
يا بدرُ ضاقَ بكَ الضريحُ وطالما … ضاقتْ على عزماتكَ الأقطارُ
أَعززْ عليَّ بأنْ يضيقَ بكَ الثرى … ويميلَ عن عرصاتكَ الزوَّارُ
قد كنتَ ذخراً للملوكِ وعمدة ً … فبرأيكَ الإيرادُ والإصدارُ
ولكم برأيكَ من ورائكَ قد سرى … نحوَ الأعادي جحفلٌ جرَّارُ
ومن العجائبِ أنَّ بدراً كاملاً … يعتادهُ عندَ التمامِ سرارُ
كان الجوادَ بما حوى وقد استوى … في مالِه الإِقلالُ والإِكثارُ
صافي أديمِ العرضِ لا يْنأى الندى … عنه ولا يدنو إِليه العارُ
من أسرة ٍ عربية ٍ جاءتْ بهِ … عربية ٌ آباؤها أحرارُ
لم يُغْذَ مِن لبنِ الإِماءِ ولم تُحِلْ … أخلاقه عن طبعهِ الأظآرُ
قد كان إِنْ خفَّتْ حلومُ ذوي النهى … للهَول فيه رَزانة ٌ ووَقارُ
يا بدرُ لو أبصرتُ بعدكَ حالنا … لشجاكَ ما جاءتْ بهِ الأقدارُ
سُرَّتْ أعادينا وأَدركَ حاسدٌ … فينا مناهُ وقلَّتِ الأنصارُ
كنا نُخافَ ويرتجي إِحسانَنا … أعداؤنا ويعزُّ فينا الجارُ
ما العيشُ بعدكً بالهنيء ولو صفتْ … فيه الحياة ُ ولا الديارُ ديارُ
هيهاتَ أن يلتذَّ جفني بالكَرى … من بعدِ فقدكَ أو يقرَّ قَرارُ
… الشكوى وتحفظُ عندهُ الأسرارُ
غدرَ الزمانُ بنا ففرَّقَ بيننا … إنَّ الزمانَ بأهلهِ غدَّارُ
لو أنَّ قلبَ الموتِ رقَّ لهالكٍ … لشجاهُ أطفالٌ وراكَ صغارُ
لم يكفِ صرفَ الدهر دفنُك في الثرى … حتى نأتْ بكَ عن دمشقَ الدارُ
ما أنصفَ الدهرُ المفرّقُ بيننا … أفبعدَ موتٍ نقلة ٌ وسفارُ