كَانَ لَيْلٌ وَآدَمٌ فِي سُبَاتِ … نَامَ عَنْ حِسِّهِ إِلى مِيقَاتِ
وَالْبَرَايَا فِي هِدْأَةِ الظُّلُمَاتِ … خَاشِعَاتٌ رَجَاءَ أَمْرٍ آتِ
وَالرُّبَى فِي مُسُوحِهِنَّ سَوَاجِدْ … مِنْ بَعِيدٍ وَالأُفْقُ جَاثٍ كَعَابِدْ
وَنُجُومُ الثَرَى سَوَاهٍ سَوَاهِدْ … وَنُجُومُ الْعُلَى رَوَانٍ شَوَاهِدْ
نَظَرَ اللهُ آدَماً فِي الخُلُودِ … مُوحَشاً لانْفِرَادِهِ فِي السُّعُودِ
مُسْتَزِيداً وَالنَّقْصُ فِي المُسْتَزِيدِ … فَرَأَى أَنْ يُتِمَّهُ فِي الْوُجُودِ
إِلْفُ عُمْرٍ وَالإِلْفُ لِلإنْسَانِ … حَاجَةٌ مِنْ لَوَازِمِ النُّقْصَانِ
تِلْكَ فِي الخَلْقِ سُنَّةُ الرَّحْمَنِ … سَنَّهَا مُنْذُ بَدْءِ هَذَا الْكِيَانِ
مُنْذُ كَانَتْ هَذِي الْخَلِيقَةُ قِدْماً … نَثَراتٍ مِنَ الْهَبَاءِ فَضَمَّا
مَا تَرَاخَى مِنْهَا فَأَلَّفَ جِرْمَا … ثُمَّ أَحْيَاهُ ثُمَّ آتَاهُ جِسْمَا
بسِطتْ أَنْمُلُ اللَّطِيفِ الْقَدِيرِ … فِي الدُّجَى مِنْ أَوْجِ الْعَلاَءِ المُنِيرِ
فَأَمَاجَتْ بِالضَّوْءِ بَحْرَ الأَثِيرِ … وَأَلْقَتْ بِآدَمٍ فِي السَّرِيرِ
فَتَحَتْ جَنْبَهُ وَسَلَّتْ بعَطْفِ … مِنْهُ ضِلْعاً فَجَاءَ تِمْثَالُ لُطْفِ
جَلَّ قَدْراً عَنْ اَصْلِهِ فَاسْتَصُفِّي … مِنْ دَمِ الصَّدْرِ لاَ التُّرَابِ الصَّرْفِ
فَبَدَتْ غَضَّةَ الصِّبَا حَوَّاءُ … وَهْيَ هَيْفَاءُ كَاعِبٌ زَهْرَاءُ
لِيَدِ اللهِ مَظْهَرٌ وُضَّاءُ … وَسَنى بَين بِهَا وَسَنَاءُ
تَتَجَلَّى وَاللَّيْلُ يَمْضِي انْدِفَاعا … نَاظِراً خَلْفَهُ إِلَيْهَا ارْتِيَاعَا
وَبَشِيرُ الصَّبَاحِ يُدْلِي الشُّعَاعَا … نَاشِراً رَايَاتِ الضِّيَاءِ تِبَاعَا
وَتَوَالِي النُّجُومِ تَرْمُقُ آنَا … حُسْنَهَا ثُمَّ تُغْمِضُ الأَجْفَانَا
وَنُجُومُ الجِنَانِ تُبْدِي افتِتانا … بِالْجَمَالِ الَّذي رَأَتْهُ فَكَانَا
وَتَنَاجَتْ فَوَائِحُ الأَزْهَارِ … وَتَنَادَتْ نَوَافِحُ الأَسْحَارِ
وَتَدَاعَتْ صَوَادِحُ الأَطْيَارِ … قُلْنَ هَذِي خُلاَصَةُ الأَسْرَارِ
رَبَّنَا ما سِوَاكَ مِنْ مَعْبُودِ … أَيَّ خَلْقٍ نَرَى بِشَكْلٍ جَدِيدِ
بِنْتَ شَمْسٍ أَمْ قَدْ بَدَتْ لِلْعَبِيدِ … صِفَةٌ مِنْكَ فِي مِثَالٍ فَرِيدِ
قَالَ صَوْتٌهِيَ الْعِنَايَةُ حَلَّتْ … فَأَنَارَتْ مَلِيكَكُمْ وَأَظَلَّتْ
وَهْيَ سُلْطَانَةٌ عَلَيْكُمْ تَوَلَّتْ … وَهْيَ فِي يَوْمِهَا عَرُوسٌ تَجَلَّتْ
تِلْكَ حَوَّاءُ فِي ابْتِدَاءِ الزَّمَانِ … لَمْ يُكَدِّرْ صَفَاءَهَا فِي الجِنَانِ
مَا سِوَى جَهْلٍ سِرٍّ هَذَا الكِيَانِ … وَشُعُورٍ بِأَنَّ فِي العِرْفَانِ
فَاشْتَرَتْ عِلْمَهَا بِفَقْدِ الدَّوَامِ … وَاشْتَرَتْ بِالنَّعِيمِ سِرَّ الْغَرَامِ
وَاسْتَحَبَّتْ عَلَى اعْتِدَالِ المُقَامِ … عِيشَةً بَيْنَ صِحَّةٍ وَسَقَامِ
فَإِذَا كَانَ فِعْلُهَا ذَاكَ إِثْمَا … أَفَلَمْ تَغْدُ حِينَ أَضْحَتْ أُمَّا
بِمُعَانَاتِهَا العَذَابَ الْجَمَّا … رَوْحَ قُدْسٍ مِنَ المَلاَئكِ أَسْمَى
غُبِنْتْ فِي الْخِيَارِ غَبْناً جَسِيماً … لَكِنِ اعْتَاضَتِ اعْتِياضاً كَرِيما
أَوَلَمْ تُؤْتِنَا الْهَوَى وَالعُلُومَا … فَنَعِمْنَا وَزَادَ ذَاكَ النَّعِيمَا
فَلِهَذَا نُحِبُّهَا كَيْفَ كُنَّا … إِنْ فَرِحْنَا فِي حَالةٍ أَوْ حَزِنَّا
أَوْ جَزِعْنَا لِحادِثٍ أَوْ أَمِنَّا … وَهَوَاهَا مِنَ الأَبَرِّينَ مِنَّا