كذا فليَجلَّ الخطبُ وليَفدحِ الأمرُ … فليسَ لعين لم يفضْ ماؤها عذرُ
توفيتِ الآمالُ بعدَ محمد … وأصبحَ في شُغْلٍ عنِ السَّفَرِ السَّفْرُ
وما كانَ إلا مالَ من قلَّ مالهُ … وذخراً لمنْ أمسى وليسَ له ذخرُ
وما كانَ يدري مجتدي جودِ كفهِ … إذا ما استهلَّتْ أَنَّه خُلِقَ العُسْرُ
ألا في سبيلِ اللهِ منْ عُطِّلَت لَه … فِجَاجُ سَبِيلِ اللهِ وانثغَرَ الثَّغْرُ
فَتًى كُلَّما فاضَتْ عُيونُ قَبِيلة ٍ … دماً ضحكتْ عنه الأحاديثُ والذكرُ
فتًى ماتَ بين الضربِ والطعنِ ميتة ً … تقومُ مقامَ النصرِ إذْ فاتهَ النصرُ
وما ماتَ حتى ماتَ مَضرِبُ سيفهِ … مِنَ الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليهِ القَنا السُّمْرُ
وقد كانَ فَوْتُ المَوْتِ سَهْلاً فردَّهُ … إليه الحِفاظُ المرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
ونفسٌ تعافُ العارَ حتى كأنَّه … هو الكفرُ يومَ الروعِ أوْ دونَه الكفرُ
فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجلَه … وقال لها منْ تحت أخمُصِكِ الحشرُ
غَدَا غَدْوَة ً والحَمْدُ نَسْجُ رِدائِهِ … فلم ينصرفْ إلا وأكفانُه الأجرُ
تردى ثيابَ الموتِ حمراً فما دجا … لها الليلُ إلاَّ وهْيَ مِنْ سُنْدُسٍ خَضْرُ
كأنَّ بَنِي نَبْهَانَ يومَ وَفاتِه … نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِنْ بَيْنها البَدْرُ
يُعَزَّونَ عن ثاوٍ تُعزى بهِ العلى … ويبكي عليهِ الجودُ والبأسُ والشعرُ
وأنَّى لهمْ صبرٌ عليه وقد مضى … إلى الموتِ حتى استشهدا هو والصبرُ
فتًى كانَ عَذْبَ الرُّوحِ لامِنْ غَضاضَة ٍ … ولكنَّ كبراً أنْ يقالَ به كبرُ
فتى سلبتهُ الخيلُ وهوَ حِمًى لها … وبَزَّتْهُ نارُ الحَرْبِ وهْوَ لها جَمْرُ
وقدْ كانتِ البيضُ المآثيرُ في الوغى … بَواتِرَ فهْيَ الآنَ مِن بَعْدِهِ بُتْرُ
أمنْ بعدِ طيِّ الحادثاتِ محمداً … يكونُ لأثوابِ الندى أبداً نشرُ ؟
إذا شجراتُ العُرفِ جُذَّتْ أصولها … ففي أيِّ فرعٍ يوجدُ الورَقُ النَّضْرُ ؟
لَئِنْ أُبغِضَ الدَّهْرُ الخَؤونُ لِفَقْدِهِ … لَعَهْدِي بهِ مِمَّنْ يُحَبُّ له الدَّهْرُ
لئنْ غدَرَتْ في الروعِ أيامُه بهِ … لَما زَالتِ الأيَّامُ شِيمتُها الغَدْرُ
لئن ألبستْ فيهِ المصيبة َ طيِّءٌ … لَمَا عُريَتْ منها تَمِيمٌ ولا بَكْرُ
كذلكَ ما نَنفَكُّ نَفْقدُ هالِكاً … يُشارِكُنا في فَقْدِهِ البَدْوُ والحضْرُ
سقى الغيثُ غيثاً وارتِ الأرضُ شخصَه … وإنْ لم يكنْ فيهِ سحابٌ ولا قطرُ
وكيفَ احتمالي للسحابِ صنيعة ً … بإسقائِها قَبْراً وفي لَحدِهِ البَحْرُ
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضة ٌ … غداةَ ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
ثَوَى في الثَّرَى مَنْ كانَ يَحيا به الثَّرَى … ويغمرُ صرفَ الدهرِ نائلُهُ الغمرُ
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني … رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ