كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي … في الجِهَةِ اليُسرى من الهَيكَلِ
يُسائِلُ القَلبَ فَلا يَنطِقُ … وَالقَلبُ سِرٌّ في الهَوى يَخفِقُ
فَمذ رَأى فُلَّتَهُ الذاوِيَه … غَلواءَ ذاتَ الكبدِ الدامِيه
قالَ أَفِق يا حُبُّ من هَجعِتك … فَسيِّدُ الآلامِ في بيعَتِك
ثُمَّ دَنا مِنها وَفي مُقلَتِه … دَمعٌ يَطوفُ الحُبُّ في مَوجَتِه
فَاِنتَفَضَت غَلواءُ من ذُعرِها … وَثارَت الأَنفاسُ في صَدرِها
فَقالَ عَفواءً هذِهِ أَدمُعي … تَشفَعُ يا غَلواءُ بي فَاِشفَعي
تَحمِلُ موجاتِها من دَمي … حَديثَ حُبٍّ لَم يَرِد من فَمِ
أَمامَ هذا الهَيكَلِ الأَطهَرِ … أَمامَ عَينِ البائِسِ الأَكبَرِ
وَهذِهِ الأَشِعَّةِ الذائِبَه … من فِلذَةِ الغَزالَةِ الشاحِبَه
أَمام أَوجاعي أَمامَ الأَلَم … أَمام هذا الضُعفِ هذا السَقَم
أَطرَحُ قَلبي لِلهَوى مجمَرَه … فَغَمغَمَت غَلواءُ ما اكفَرَه
وَحَدَّقَت حيناً إِلى المَغرَمِ … وَقَلبُها في صَدرها المظلِمِ
ثمَّ أَمالَت عَينها الساهِيَه … عن عَينه الكَئيبَة الباكِيَه
فَقالَ لا لا تُعرِضي فَالشَقا … أَرادَ يا غَلواءُ أَن أُخلَقا
فَأَيُّ سِرٍّ في دُجاكِ استَتَر … تُفشيهِ عَيناكِ لِهذي الصُوَر
وَلَم يَكَد يَصمُتُ حَتّى سَجَد … قُدسُ الهَوى ما ذَلَّ فيه أَحد
كَأَنَّ في مُقلَتها هَيكَلَه … يَرى عَلَيهِ سَيِّدَ الجَلجَله
وَقالَ غَلواءُ هنا مَعبَدي … في صَدرِك المُنطَفىءِ الموقَدِ
وَصادَفَت مُقلَتُهُ المَذبحا … عَلَيهِ ذَيلٌ من شُعاعِ الضُحى
قالَ اِشهَدي إِنَّ الهَوى يَشهَدُ … يا صورَةً لِمَريَمٍ تُعبَدُ
الحُبُّ نيرانٌ تُنيرُ السَما … فَتُرسِلُ النورَ لنا كُلَّما
أَشِعَّةٌ من مُقلَةِ الخالِقِ … تَذوبُ في الاِكبادِ من حالِقِ
وَاللَهُ ما أَبدَعَ قَلبَ البَشَر … حَتّى يَظَلَّ خامِداً كَالحَجَر
قالَ لَها قَلبُكِ ما أَفجَعَه … أَلِلَّهَ ما أَقساهُ ما أَوجَعَه
أَوَدُّ أَن أَحني لَهُ أَضلُعي … قَوساً من الحُبِّ فَيَبقى مَعي
أَوَدُّ أَن أَفرُشَ عَينَيَّ لَه … هذا دَمعي أَوَدُّ ان يَأكُلَه
لَيسَ الهَوى يا أُختَ روحي سوى … قُربانَةِ الاِرواحِ لَيسَ الهَوى
وَغادَرتُهُ في اسمىً موغِلِ … من مُشكِلٍ يُزَجى الى مُشكِلِ
فَقالَ هذا الحُبُّ من أَنزَلَه … فَرَنَّ في مِسمَعِهِ المهزَلَه