قفْ بالديارِ عفا من اهلها الأثرُ، … عفى معالمها الأرواحُ والمطرُ
بالعرصتينِ فمجرى السيلِ بينهما … إلى القرينِ، إلى ما دونهُ البسر
تَبْدُو لِعَيْنَيْكَ مِنْهَا كُلَّما نَظَرْتْ … معاهدَ الحيِّ، دوداة ٌ، ومحتضر
وركدٌ حولَ كابٍ قد عكفنَ به … وَزَيْنَة ٌ ماثِلٌ مِنْهُ وَمُنْعَفِرُ
منازلُ الحيِّ أقوتْ بعد ساكنها، … أمستْ ترودُ بها الغزلانُ والبقر
تَبَدَّلوا بَعْدَهَا داراً وَغَيَّرَها … صَرْفُ الزَّمَانِ وَفي تَكْرَارِهِ غِيَرُ
وَقَفْتُ فيها طَويلاً كَيْ أُسَائِلَها … والدارُ ليس لها علمٌ، ولاحبر
دارُ التي قادني حينٌ لرؤيتها، … وَقَدْ يَقُودُ إلى الحَيْنِ الفَتَى القَدَرُ
خودٌ تضيءُ ظلاَ البيتِ صورتها، … كما يضيءُ ظلامَ الحندسِ القمر
مَجْدُولَة ُ الخَلْقِ لَمْ تُوضَعْ مَنَاكِبُها … ملءُ العناقِ ألوفٌ جيبها عطر
ممكورة ُ الساقِ، مقصومٌ خلاخلها، … فمشبعٌ نشبٌ، منها، ومنكسر
هَيْفاءُ لَفّاءُ مَصْقولٌ عَوَارِضُها … تكادُ، من ثقلِ الأردافِ، تنبتر
تفترُّ عن واضحِ الانيابِ، متسقٍ، … عذبِ المقبلِ، مصقولٍ له أشر
كالمسكِ شيبَ بذوبِ النحلِ يخلطه … ثَلْجٌ بِصهْبَاءَ مِمّا عَتَّقَتْ جَدَرُ
تِلْكَ الَّتي سَلَبَتْني العَقْلَ وکمْتَنَعَتْ … والغانياتُ، وإن واصلتنا، غدر
قَدْ كُنْتُ في مَعْزِلٍ عَنْهَا فَقَيَّضَني … للحينِ، حينَ دعاني للشقا النظر
إني، ومنْ أعملَ الحجاجُ خيفته … خوصَ المطايا وما حجوا وما اعتمروا
لا أَصْرِفُ الدَّهْرَ وُدّي عَنْكِ أَمْنَحُهُ … أخرى أواصلها، ما أورقَ الشجر
أَنْتِ کلمُنَى وَحَديثُ النَّفْسِ خَالِيَة ً … وَفي الجَمِيعِ وأَنْتِ السَّمْعُ وکلبَصَرُ
يا ليتَ من لامنا في الحبِّ مرُ به، … مما نلاقي، وإنْ لم نحصهِ، العشر
حتى يذوقَ كما ذقنا، فيمنعهُ، … مِمّا يَلَذُّ حَدِيثُ النَّفْسِ والسَّهَرُ
دَسَّتْ إلَيَّ رَسُولاً لا تَكُنْ فَرِقاً … وکحْذَرْ وُقَيْتَ وأَمْرُ الحَازِمِ الحَذَرُ
إنِّي سَمِعْتُ رِجالاً مِنْ ذَوِي رَحِمِي … هُمُ العَدُوُّ بِظَهْرِ الغَيْبِ قَدْ نَذَروا
أن يقتلوكَ، وقاكَ القتلَ قادرهُ، … واللهُ جاركَ مما أجمعَ النفر
السرُّ يكتمهُ الإثنانِ بينهما، … وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الإثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ
والمرءُ، إن هو لم يرقبْ بصبوتهِ … لَمْحَ العُيُونِ بِسُوءِ الظَّنِّ يَشْتَهِرُ