قالوا: صبا، يا مَن رأى مستهامْ … حجاهُ كهلٌ وهواهُ غُلامْ
لعلّهُ صَادَ، ولم يعلموا، … رئماً، حلالٌ صيدهُ لا حرام
أو زاره طيفٌ خفيّ الهوى … يَطْرُقُهُ في الوهم لا في المنام
كأنّ تمثال سليمى اجتلى … عليه منها خَفرا واحتشام
وربّما هاجَ اشتياق الفتى … تألّقُ البرقِ وسجعُ الحمام
أو نفحة ٌ تعبقُ من روضة ٍ … تُحيي من الصبّ رَميمَ العظام
غزالة ُ السرب التي جسمها … معانُ مسكٍ ما علاه ختام
لله ما صورَ في فكرتي … بردُ المنى منها وحرّ الغرام
تمشي، وسكر التيه في عطفها … يُميلُ منها باعتدال القوام
يا من رأى في غُصنٍ روضة … يسمعُ منها للأقاحي كلام
يخبرُ من فاز بتقبيلها … عن بَرَدٍ تنبعُ منه مُدام
أذكى من المندلِ في ناره … ما ساكتِ الدّرَّ به من بشام
كأن في فيها عبيراً إذا … تفجّرَ النورُ وغار الظلام
جسمُ لجينٍ ناعمٌ لَمْسُهُ … لصفرة ِ العسجد فيه اتّهام
قد حازها البعدُ فَمِن دونها … ركوبُ طامٍ موجهُ ذو سنام
تسافرُ الأرواحُ ما بيننا … والسرّ فيما بيننا ذو اكتتام
كأنما تحملُ أنفاسها … لطائماً ضُمّنّ مسكَ السّلام
وهي من العفة لم تَدْرِ مَنْ … جُنّ بها دونَ الغواني وهام
فتّاكة ٌ باللّحْظِ وارحمتا … منها لقلبِ الدّنِفِ المستهام
كأنما علّمَهُ فتْكَهُ … سيفُ عليّ يومَ تفليقِ هام
مُمَلَّكٌ في ملك آبائه … أيُّ كريمٍ أنجبته كرام
ذو ميبة ٍ تَحْسَبُ في دَسْتِهِ … قَسْوَرَة َ الغيلِ وَبَدْرَ التمام
مترجمٌ عنه لسانُ العُلى … فيما عَنَاهُ أو لسانُ الحسام
وكلّ جبّارٍ أتى أرضهُ … مقبل بالرغمِ منه الرّغام
يُقَدِمُ ما بين العوالي إذا … ما نكلَ المقدامُ عنه وخام
يملأ جنب القرنِ من طعنة ٍ … نجلاءَ يرغو شِدقُها وهو دام
مؤيَّدٌ بالله ذو عِصمة ٍ … للدين تأييدٌ به واعتصام
أسنَّة ُ الأعداءِ في حربه … أطعنُ منها إبرٌ في ثمام
ذا كعبة ُ الجودِ الذي كفُّهُ … ركنٌ، لنا لثمٌ به واستلام
لا تحسبوها حجراً إنّها … من ساكبِ المعروف أختُ الغمام
يَمُدّهُ المَدْحُ لِبذلِ النّدى … كمدّهِ المرهفَ يوم اقتحام
وتقبض الحرمانَ منه يدٌ … تَبْسُطُ للوفدِ العطايا الجسام
للبحر بالريح عُبابٌ كذا … جدواه إن أسمِعَ فيها الملام
إن سابقَ القُرّحَ أبْصَرْتهُ … أمامها سَبْقاً يثيرُ القتام
إنَّ الأنابيب لمأمومة ٌ … في الرمح، واللهذمُ فيها إمام
لا يغتررْ بالعفو من سلمه … أعداؤه، فالحربُ دار انْتقام
أخافُ، والموتُ بهم واقعٌ، … أنْ يُفطرَ الصمصامُ بعد الصيام
يُمْلِي لمن يُغْرَى به نقمَة ً: … بالبطءِ في النزعِ نفوذِ السهام
إذا نحيّرنا فقولوا لنا: … أكان رضوى حِلمُهُ أم شَمام
لو رَكَنَ الباغي إلى عزِّهِ … ما قعدَ الذلّ عليه وقام
منفردٌ بالبأس في نفسه … سكونُهُ فيه حَرَاكّ اعتزام
كأنَّه جيشٌ لهامٌ حدا … من أُسُدِ الأبطال جيشاً لهام
أثوابهمْ فيه وتيجانُهُمْ … قُمصُ الأفاعي وتريكُ النعام
من كلّ فتّاكٍ بأقرانه … له حياة ٌ تَغْتَذي بالحِمام
فَصَيْحَة ُ الرّوْعِ وطعمُ الرّدى … لديه كالشّدو على شربِ جام
إنّ ابن يحيى من وكوف الحيا … في زمنِ المحل ليهمي انسجام
فمن حياءٍ لا تَرى وَجْهَهُ … إلا وللغيم عليه لثام
لئن تزاحمنا بساحاته … «فالمَوْردُ العذبُ كثير الزحام»
نطولُ من ساعات أفراحِهِ … بالسّعْدِ ما يقصرُ عنه الأنام
أقسمتُ ما بهجة أيّامه … في عَبْسَة ِ الأيام إلا ابتسام
يا منْ إذا مالَ زمانٌ بنا … عن حكمنا قوّمه فاستقام
لك المذاكي والمواضي التي … تَمَيّعَ الماءُ بها في الضرام
من كلّ يعبوبٍ كريح الصَّبا … يطير جرياً ما أراد اللجام
وكلّ ماضي الحدّ في جفنه … عينُ الردى ساهرة ٌ لا تنام
انصفتَ همّاتِكَ، أعْظِمْ بها … لم يُنْصِفِ الهمّاتِ مثلُ الهمام
قابلكَ العامُ الذي تشتهي … فابقَ لنا من بعدهِ ألفَ عام
إنَّ المنى في سلكه نُظّمَتْ … وإنّه أوّلُ درِّ النظام
فقارنِ السعدَ على أفقهِ … وأنْتَ في العمرِ فرينُ الدوام
موشحٌ شبليك في عزّة ٍ … قعساءَ مرماها بعيدُ المرام
والجودُ في يمناك منه حيا … واليُمْنُ في يُسْراكَ منه زمام