في لَيلَةٍ حالِكَةٍ كَالهُمومِ … هابِطَةٍ الجَوِّ بِثِقلِ الغُيوم
كانَ الفَتى الشاعِرُ مخدِعِه … يَبكي فَيَجري القَلبُ في أَدمُعِه
وَكانَت الشَمَعَةُ في حُجرَتِه … تَنزَعُ كَالمَيِّتِ في ساعَتِه
وَكانَت الوحدَةُ كَالمَدفَنِ … موحِشَةً في ذلِكَ المَسكَنِ
وَاِستَيقَظَ الشاعِرُ من سَكرَتِه … وَحَوَّلَ العَينَ الى شَمعَتِه
وَبَعدَ أَن مَرَّت عَلَيهِ ثَوان … كَأَنَّها من دامِياتِ الزَمان
يا شَمعَتي ماذا وَراءَ النَزاع … ما هذِهِ القَطرَةُ تَحتَ الشُعاع
في دَمعِكِ الشاحِبِ نورٌ يَذوب … ماذا تَقولينَ بهِ لِلقُلوب
أَيَنتَهي الحُبُّ كما تَنتَهين … يا شَمعَتي يا مَثَل العاشِقين
وَإِذ تَلاشى نَفَسُ الشَمعَةِ … مِثلَ تَلاشي الروحِ في المَيِّتِ
يا مَدفَنَ الاِنوارِ ماذا وَراء … هذا الدُجى الحالِكِ هذا الغِطاء
لِم يَنقَضي اللَيلُ وَيَأتي السَحَر … مَهزَلَةٌ من مَهزَلاتِ القَدَر
في ذلِك اللَيلِ العَصيبِ الطَويل … تذَكَّرَ الشاعِرُ عَهداً جَميل
إِذا كانَ في مَيعَتِهِ الناعِمَه … يَحلمُ بِالسَعادَةِ الدائِمَه
يا خافِقاً أَلِلَّهَ ما أَوجَعَك … ما أَبخلَ الدُنيا وَما أَطمَعَك
في ذلِكَ اللَيلُ وَما أَظلَمَه … ذِكرُ الصِبى في الأَكبُدِ المُغرَمَه
تَذكَّرَ الشاعِرُ فَجرَ الشَباب … وَذلِكَ الوادي وَتِلكَ الهِضاب
وَوالِداً مَرَّ مُرورَ الشَبح … كَأَنَّه يومُ صَفاءٍ سَنَح
فَقالَ يا قَلبي الى الجَلجَله … حَملتَ آمالَ الصِبى المُثقَلَه
أحلِ غَلواءُ وَأَجلِ العَذاب … كَتَبتَ لي في الحُب هذا الكِتاب
إِذا بِهِ في الحُجرَةِ المُظلِمَه … يُصغي إِلى حَشرَجَةٍ مُؤلِمَه
وَراءَ في قَلبِ الدُجى والِدَه … يَغيمُ في شَفّافَةٍ صاعِدَه
كَأَنَّها وهيَ تَشُقُّ القَتام … لَوحَةُ فَجرٍ في إِطارِ الظَلام
قُدِّستِ يا غَيبوبَةَ الشاعِرِ … رُؤيا كَمَرِّ الحُلُمِ الطاهِرِ
قُدِّسَت في أَحلامِكِ الشاحِبَه … قَدَّستِ في آلامِك الذائِبَه
في كُلِّ ما تَحمِلُ مِنكِ العُيون … في سورَةِ الحُب وَسُكر الجُنون
في جَوفِ تِلكَ اللَيلَةِ البارِدَه … كَأَنَّها ضَمائِرٌ جاحِدَه
وَلِلرياحِ الهوجِ بَينَ الوَرَق … عَزفٌ كَأَنَّ الجِنَّ فيهِ زَعَق
تَحَرَّكَ اللَيلُ وَقالَ الخَيال … من لَيسَ يَبكي في اللَيالي الطِوال
من لَم يَذُق في الخُبزِ طعمَ الأَلَم … وَلم يُنَكِّر وَجنَتَيهِ السَقَم
مَن لا يَرى في الشَمسِ طيفَ الغُروب … وَيَسمَعُ اللَيلَ اِختِلاجَ القُلوب
من لَم يَغمس في هواهُ دمه … من يَمنَع الأَهوالُ أَن تُطعِمَه
من لَيسَ يَرقى ذَروَةَ الجَلجَلَه … وَلم يُسمِّر في الهَوى أَنمُلَه
مَن يَصرف العُمرَ عَلى المخمَلِ … وَلا يَذوقُ البُؤسَ في الأَوَّلِ
لَن يَعرِفَ العُمرَ شعاعَ الإِله … وَلن يَرى آمالَهُ في رؤاه
وَاِنسَحَبَ الطَيفُ الى ظُلمَتِه … يَجُرُّ بِالأَذيالِ من وَمضَتِه
حَتّى إِذا سادَ السُكونُ المُخيفُ … وَكان في الخارِج صَوتُ الحَفيف
أَفاقَ من سَكرَتِهِ الشاعِرُ … وَقالَ هل يُرجى لَه آخِرُ
قَد يَحمِلُ الفَجرَ عَزاءً إِلَيّ … إِن حَمَلَ النورَ إِلى مُقلَتَيَّ
يُخيفُني اللَيلُ بِأَرواحِه … ثائِرَةً كَالهَولِ في ساحِهِ
لا أنشِدُ البُؤسَ وَلا أَرغَبُ … في حَمل حُبٍّ قَومُهُ عُذِّبوا
يُخيفُني في مَخدِعي البارِدِ … خَيالُ حُبِّ مُبهَمٍ جامِدِ
يُخيفُني اللَيلُ فَأَينَ السَحَر … يَطرُدُ مِن عَينَيَّ هذي الصُوَر
كانَ الدُجى لمّا يَزَل ثائِرا … وَالريحُ تُدمي الأُفُقَ الماطِرا
كَأَنَّ لِلَّيلِ هَوىً حائِرا … ذاقَ الأَسى فَلَم يَزَل ساهِرا