ها أنا عدت إلى حيث التقينا … في مكان رفرفت فيه السعادهْ
وبه قد رفرفَ الصمتُ علينا … إنّ في صَمْت الحبيبين عباده
رب لحنٍ قص في خاطرنا … قصةَ الساري الذي غنى سهادهْ
وكأنّ الصمتَ منهُ واحةٌ … هَيّأَتْ من عُشبها الرّطبِ وساده
صمتَ السّهلُ ولكن أقبلتْ … من ثنايا السهل أصداءٌ بعيدهْ
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ … تشتهي النفسُ به أن تستعيدَهْ
يتهادى في عُبابٍِ ساحرٍ … باعِثٍ للشّطِّ أمواجاً مديده
فإذا ما ذهب الليلُ بها … تزخرُ النفسُ بأصداءٍ جديدهْ
…
هدأ الليلُ هنا لكنني … كنتُ في حُسنِكِ بالصمّتِ أُغنّي
كلُّ لحنٍ لَجِبٍٍ يغشى دمي … لَعِبَ العازف بالعُود المَرنّ
ناقلاً للنّهر والسهل معاً … قصةً يشرحُها عنك وعني
قصة الشاعر والحسنِ إذا اسـ … ـتبقا للخلْدِ في حَوْمة فنّ
ما الذي في خصلةٍ راقدةٍ … ما الذي في خطِّه أو كتبِهْ؟
ما الذي في أثرٍ خَلّفَهُ … من أفانينِ الهوى أو عَجَبِه
ما الذي في مجلس يألفه … عقد الحب عليه موعده
ربما يبكي أسىً كرسيُّه … إن نأى عنه وتبكي المائده
ولقد نحسبها هشّتْ إذا … عائدٌ هَشّ لها أو عائده
ولقد نحسبها تسألنا … حين نمضي أفراقٌ لعِدَه؟
كم أعَدّتْ نفسَها وانتظرتْ … واستوتْ موحشةً تحت السماء
وهي لو تملِك كفّاً صافحت … كفَّكِ الغضّة في كل مساء
رُبّ كَرْمٍ مَدّه الليلُ لنا … فتواثبنا له نَبْغي اقتطافَه
وعلى خيمته حارسه … عربي الجود شرقي الضيافهْ
وجَد العرس على بهجته … وسناه دونَ وَرْدٍ فأضافهْ
ثم وراتْهُ غَياباتُ الدّجى … كخيالٍ من أساطيرِ الخُرافه
أرجٌ يعبقُ في جُنحِ الدّجى … حملَته نحو عَرْشيْنا الرياحْ
كلّ عطرٍ في ثناياه سَرَى … كان سِرّاً مُضْمراً فيه فباح
يا لها من حقبة كانت على … قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ
نتمنى كلما امتدت بنا … أن يظل الليل مجهول الصباحْ
أنا إن ضاقتْ بيَ الدنيا أَفِئْ … لثوانٍ رحبةٍ قد وَسِعَتْنا
أنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا … وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا
ولقد أطْفُو عليه قَلِقاً … غارقاً في لحْظةٍ قد جمعتنا
ومعاني الحسن تترى وأنا … ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها … أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ
ربما تزخرُ بالحسن وما … في الدُّمى مهما غَلَتْ سحر جمالك
ولقد تزخر بالنور وكم … من ضياء وهو من غيرك حالكْ
لو جَرَتْ في خاطري أقْصى المُنى … لتمنّيتُ خيالاً من خيالِك
…
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى … لهواه واصطفاه لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي … آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا
…
قلتُ للّيلِ الذي جلّلنا … والذي كان على السرّ أمينا
أينَ يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتَبَى … لهواهُ واصطفاهُ لي خدينا؟
لم أكن أطمع أن ترحمني … بعد أن قَضَّيْتُ في الوجدِ السنينا
لم أكُنْ أطمعُ أن تُضْمِرَ لي … آسياً يُبْرئُ لي الجُرح الدفينا
لم أكن أعلمُ يا ليلَ الأسى … أن في جُنْحِكَ لي فجراً جنينا
أيها اللائذُ بالصّمتِ كَفَى … وأدِرْ وجْهَكَ لي وانظرْ طويلا
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا … شاءت الأيام يوماً أن تميلا
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ … ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ … ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟
ما الذي إِنْ أُقْصِهِ عنِّيَ عاد … طاغياً سِيّانِ قرب أو بعاد؟
ما الذي يخلقنا من عدم … ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟
…
كم حبيب بَعُدت صهباؤه … وتبقت نفحة من حبَبهْ
في نسيج خالدٍ رغم البلى … عبث الدّهرُ وما يعبث به
أين سلطاني ومجدي والذي … حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟
أين إلهامي ونوري والذي … أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟