في مقعدٍ هادئٍ في الركنِ مُسْتَتِرِ … نَأَىَ بعيداً عن الفوضى ، عنِ النَّظَرِ
عيناهُ في مدخلِ المقهى تُراقبُهُ … هذا يروحُ ، وذا يرتادُ في خَفَرِ
وذا يميلُ مع الألحانِ في طَرَبٍ … وذاك يَغرِقُ في بحرٍ من الفِكَرِ
طوْراًَ يُحَمْلِقُ في الجُدرانِ يرسُمُها … وتارةً راكزاً عينيه في السُّتُرِ
يكادُ تفضِحُهُ عينُ الهوى ‘ و فَمٌ … يُتَمْتِمُ اْسمَ التي أَعْيَتْهُ بالسَّهَرِ
والوقتُ يمضي بطيئاًً مثلَ مُذنبةٍ … سِيقَتْ إلى غُرفةِ الإِعدامِ في خَوَرِ
في كُلِّ ثانيةٍٍ يرنو لساعتِهِ … كأنَّما عقربُ السَّاعاتِ في سَفَرِ
يا أيُّها النادلُ السَّاعِي لخِدمَتِنا … هلاَّ أَتَيْتَ بِفنجانٍ من الصَّبَرِ
فقد شربتُ كؤوسَ الإنتظارِ ‘ وما … هلَََََّت حبيبةُ قلبي ، مُهجتى ،عُمُري
أرى المكانَ وقد غابتْ مُعَلِّلَتِي … أمسى كمثلِ الدُّجَى في غَيْبَةِ القَمَرِ
فلا جَمَالٌ ، و لا نُورٌ أُحِسُّ بِهِ … ولا أَشُمُّ أَرِيجَ العِطرِ في الزَّهَرِ
و لَسْتُ أسمَعُ من أنغامِ صادحةٍ … هُناكَ غيرَ صدى الآلامِ و الضَّجَرِ
يا أيُّها النادِلُ الغادي بقهوتِهِ … زِدْنِي ، فإنِّي أرى مُكْثي إلى السَّحَرِ
مالي أراكَ و لم تبرحْ تُحَدِّقُ في … مُتَيَّمٍ بلهيبِ العشقِ مُسْتَعِرِ
أَمُشْفِقٌ أنتَ ، أمْ أبْصَرْتَ مُعجزةً … كما يُرى اْلماءُ في عينٍ من الحَجرِ
أَما رُمِيتَ بسهمِ العشقِ في كَبِدٍ … مثلي ، فصرتَ أسير الهُدبِ و الحَوَرِ
أما أُسِرْتَ ، و بعضُ الأسرِ نعشقُهُ … نسعى إليهِ بلا حِرصٍ و لا حَذَرِ
أما رأيتَ التي رقَّ الفؤادُ لها … و ليسَ يُشبِهُها نفسٌ من البَشَرِ
لو كنتَ أبصَرتَها ، ما كُنتَ تعذلني … و لا وَصَفْتَ الهوى بالحُمقِ و الهَذَرِ
شَعْرٌ تَدَلَّى على أكتافِها مَرِحاً … يزهو بِسُمْرَتِهِ ، يزدانُ بالدُّرَرِ
كأنَّهُ موجةٌ تجري ، و تتبعُها … أخرى ، فتهربُ للشُطآنِ و الجُزُرِ
و الوجهُ واحةُ فُلٍّ في تأنُّقِهِ … و الخَدُّ روْضةُ كَرْزٍ باسِمٍ نَضِرِ
و الثَّغرُ ياقوتةٌ حمراءُ ، راقَصَها … ضوءُ النَّهارِ على ترنيمةِ الوَتَرِ
يا لائمي في الهوى ،إنَّ الهوى قَدَرٌ … إنْ كنتَ تؤمنُ يا “جرسونُ” بالقَدَرِ
فاْذهَبْ و دَعْنِي وحيداً في تَرَقُّبِها … حانَ اللقاءُ ، لقاء الأرضِ بالمَطَرِ