في الركب بين هوادج الآرام … قمر يسايرهن تحت لثام
تلك الركائب سار قلبي خلفها … متتبعاً لمواطىء الأقدام
يوم وقفت به كئيباً حائراً … للبين أسأل رحمة الأنعام
ساروا وقد قطع النسيج كلامهم … وجداً وخطت عبرتاي كلامي
من كل أصفر شاحب قد راعه … جزعي فاورثه الشحوب سقامي
وبدأ مقلده بعقدي لؤلؤ … من در أجفان ودر نظام
يا جيرة الحي الألي قضت النوى … ببعادهم فقضت بقرب حمامي
فارقتم طرفي القريح وحلتم … بالسهد ما بيني وبين منامي
وتركتم لي مهجة مسلوبه … في كف كل مغرب نسام
وجوانحاً حرى تذوب من الأسى … وجوارحاً أمست رميم عظام
نزل الفراق بنا فما لك موضع … يا صبر عندي فارتحل بسلام
وتعهدي يا نفس ما لم تعهدي … تركا له من صبوة وهيام
وإذا خشيت على الصبابة سلوة … فتعوذي بجمالهم وغرامي
وإذا رمتك يد الزمان بنكبة … فاستنجدي بوزيرنا المقدام
ذي الدولة العظمى الذي من أمه … فجواره حرم على الأيام
الراشد الهادي الأمين المقتدى … بسداد أمر الواحد العلام
قد ساس أطراف البلاد بحكمة … غمضت سرائرها عن الأوهام
بادي الحصافة أصغراه كلاهما … بحر كبير بالحقائق طام
في جفنه قمر ينير إذا دجا … ليل المشاكل في سما الأحكام
متقلد الصمصام فوق عزيمة … هي في الوغى أمضى من الصمصام
بأس تمازجه خلائق رقة … كالماء مازج قرقفاً في الجام
أمنت بهيبته النفوس فلم تكد … تؤذي النيام روائع الأحلام
جرار خيل بالحديد تموجت … في كل جيش كالغظم لهام
تجري على آثار أروع همه … إظماء مكحلة وري حسام
فسل البداوة أين أمسى جمعها … بازاء سطوة ذلك الضرغام
هبت ضخام طلائع في وجهه … حتى أنهزمت فبؤن غير ضخام
خفقت قلوبهم ارتياعاً عندما … وأفاهم بخوافق الأعلام
ما كان حين لقوه إلا صدمة … علموا بها في الكر صدق صدام
فتناثروا فوق الصعيد وقد رأوا … نثر المفاصل حولهم والهام
وغدوا كأن الأرض تطرد فلهم … وكأنهم يسعون فوق ضرام
يتعجلون إلى الإكام فرارهم … وإليه تسلمهم ذري الآكام
تركوا لوحش القفر قتلاهم وقد … تخذوا مقام الوحش في الآجام
وغدا جريئهم الذي ثبتت له … نفس بمنها بالاستسلام
ملأ البقاع أنينهم حتى لقد … أمسى بئن لهم صدى الأهضام
وبكت بماء جسومهم أسيافه … حتى انثنت وجفونهن دوام
الله أكبر تلك عقبى من بغى … وجزى بكفر صنيعة وذمام
يا معشر الأعراب ذاك محمد … وأفاكم بالقسط والأحكام
عهدت لحكمته الأمور فساسها … بظني النصال وأرؤسص الأقلام
رأي كما سفر الضحى وبديهة … ملكت سداد النقض والأبرام
السيد السند الذي أضحى به … نهج العدالة واضح الأعلام
نشر الأمان على المسالك فانبرى … بثناه يحدو كل رب خطام
وشدت بمنته البلاد ومن ثوى … فيها من الأعراب والأعجام
ولمنطق التأريخ ختم بالدعا … لعلاه أرخ وهو خير ختام