عمرت بطول بقائك الأعمار … وجرت برفعة قدرك الأقدار
ودنت لك الدنيا بقاصية المنى … وتخيرت لك فوق ما تختار
فإذا النجوم تطلعت لك أسعدا … بدر البدور بهن والأقمار
وإذا زجرت ليمن يومك طائرا … حشرت إليك بيمنها الأطيار
وإذا المنى بدأتك غرس رياضها … حيتك في أغصانها الأثمار
سبقا كما سبقت فعالك كلما … أعيت به الأوهام والأفكار
وتجليا للدارعين تصيدها … بطيور خيلك والعقول تطار
بشمائل مشمولة بمكارم … ما للخطائر عندها أخطار
ومعالم لندى يديك وإنها … سرج إليك لحائر ومنار
فإذا عوان المجد رد خطيبها … فلك الأيامى منه والأبكار
وإذا الحروب تساجلت أيامها … فقتيل سيفك في الملوك جبار
ولقد عضضت على الخطوب بناجذ … للدهر منه سكينة ووقار
لكن شمائل في الندى وكلتها … بعفاة جودك فتية أغمار
ما البحر في الأرض العريضة بعدما … فاضت عليها من نداك بحار
أو ما غناء المسك في الدنيا وقد … ملئت بطيب ثنائك الأمصار
فيه تأنقت الحدائق وازدهى … زهر الربى وتفتح النوار
وتنافحت بنسيمها ريح الصبا … وتفاوحت برياضها الأسحار
وتعاطت الندماء كأس مدامها … وسرت بها الركبان والسمار
فكأن للدنيا بحمدك ألسنا … تصغي لها الآفاق والأقطار
وكأنما الأيام فيك مدائح … نظمت كما نظمت لك الأشعار
والله جارك كم أجرت عباده … من كل خطب ليس منه جار
وضربت عنهم كل جبار عتا … فحباك بيضة ملكه الجبار
في جحفل كالليل جرار له … من عز نصرك جحفل جرار
أمددت فيه بالملائكة التي … نصرت بها أعمامك الأنصار
وكسوت فيه الشمس برد عجاجة … للموت تحت ظلامها إسفار
والجو يحمى والدماء سواكب … والأرض ريا والسماء غبار
والمقفرات سوابق وخوافق … والشاهقات أسنة وشفار
كل رفعت صدورهن لغارة … ما إن لها قبل الصدور مغار
وقد ادرعت لها سوابق عزمة … البر والتقوى لهن شعار
بهرت فهن على ابن يحيى في الوغى … نور له وعلى ابن شنج نار
تحمى فيودعها جوانح صدره … كي لا تبينه لك النظار
أسد حطمت سلاحه فتركته … بالبيد لا ظفر ولا أظفار
رهنا بإلقاء اليدين لقاهر … أعلى يديه الواحد القهار
ملك كأنك يا محاسن فعله … من سيئات زمانك استغفار
خصت به سبأ وعم بنصره … عليا قريش في الهدى ونزار
ربذ القداح من الرماح وماله … إلا السباع وطيرها أيسار
ونديم بيض الهند يوم دم العدى … خمر له والمأثرات خمار
آيات نصر في الورى بسيوفها … أمن الهداة وآمن الكفار
جاهرت حر بلادهم بجهادهم … حتى غدوا وهم لها أسرار
وسريت حتى ظن من صبحته … أن الظلام على سراك نهار
ولكم أطارهم لسيفك بارق … حتى دعوتهم إليك فطاروا
وجنحت للسلم التي جنحوا لها … وقضاء ربك في العباد خيار
فأتوك مستبقين قد قرب المدى … منهم إليك وذلل المضمار
ودنا ابن رذمير يزلزل خطوه … أمل تقسم نفسه وحذار
فؤاده من ذعر سيفك طائر … طورا ومن عجل إليك مطار
وتقبل أيقن فرذلند ما له … إلا إليك من الحمام فرار
كل يخر لأخمصيك وطالما … ساموك في رهج الخميس فخاروا
فهناك أخلصت النفوس وأكدت … عقد العهود وشدت الأنصارأ
وتواصل البعداء منك بطاعة … وصلت بها الأرحام والأصهار
فعقدت في عنق الضلال مواثقا … دانت بها الرهبان والأحبار
وكأنما كانت عقود تمائم … سكنت بها الأوجال والأذعار
أحييت منها ملك رذمير وقد … مشت الدهور عليه والأعصار
وأقمت تاج جبينه من بعدما … عفت المعالم منه والآثار
وبسطت من قشتلة يد آمن … لرضاك فيها يارق وسوار
ثم انثنوا يبأون منك بطاعة … رفعوا بها أعلامهم وأناروا
ولهم بذكرك في العداة تبجح … وبقبل كفك في البلاد فخار
ورفعت أجياد الجياد لأوبة … رفعت لها الآمال والأبصار
فكأنما البشرى بذلك عندنا … كأس علينا بالسرور تدار
والأرض أرضك كلها لك روضة … أنف وأنت سماؤها المدرار
حتى قدمت وما تقلب ناظر … إلا له بقدومك استبشار
حر المكارم حق قدرك أن ترى … وعبيدك السادات والأحرار
ومجاهدا في الله حق جهاده … والله أبصر فيك ما يختار
واسأل بضيفك كيف بعدك حاله … وقد اقتضته بعد دار دار
غدرت به أيام عام قد وفى … أن الوفاء بعهده غدار
ودنا به أجل الرحيل كأنه … أجل الممات دنا به المقدار
عام كعمر الوصل ليلة زائر … وأسى تقاصر دونه الأعمار
طالت لياليه الزمان بهمه … وكأنهن من السرور قصار
بمشرد قلق الثواء بمنزل … لا ينثني فيه له الزوار
مثواي فيه تقلقل وتأهب … وقراي فيه ذلة وصغار
وحساب أيام كأن متاعها … نوم على وجل البيات غرار
وطلاب مأوى قبل حين أوانه … فالدهر أجمعه لي استنفار
لله من عام جرى عني به … جري الأهلة فيه والأقمار
في أهل دار كالكواكب والنوى … بعد النوى فلك بهم دوارب
كانوا جمالا للزمان فأصبحوا … وهم عليه بالتغرب عار
تنبو الديار بهم وتلك ديارهم … غرض المصائب ما بها ديار
قد أقفروا وطن الأنيس وأنست … بهم مفاوز بالفلا وقفار
يتأوهون إذا رمت أوهامهم … دارا لساكنها بها استقرار
ويهيجهم عين لهن مرابض … ويشوقهم طير لها أوكار
وإليك يا منصور حطوا أرحلا … لعبت بهن تنائف وبحار
فزعا إليك من الجلاء بأوجه … في كل عام للجلاء تثار
ورأوا بقربك أنهم قتلوا النوى … فاستحييت ولها عليهم ثار
قد طيرت غربان كل مغرب … وغرابهم للبين ليس يطار
جرة عليك وما رأت من قبلها … خطبا له فيمن أضفت خيار
وعلى الليالي منك عهد ثابت … ألا يباح لمن حميت ذمار
والله قد أعلى محلك أن ترى … مكشوفة في سترك الأستار
وحباك بالملك الذي لو شئت لم … تضق القصور بنا ولا الأحيار
وأجار قدرك أن يسوغ لقائل … جار الزمان وأنت منه جار
ولحق من أبقى ثناءك في الورى … أن تستقر به لديك الدار