عفا الله عن ذاك الحبيب وإنْ جنى … دعاني به المشتاقُ في صدِّه العنا
قَسا قَلْبُه في قول واشٍ وحاسدٍ … وعهدي به رطب المحبّة ليّنا
من الغيد فتّاك بقدٍّ ومقلة … إذا لاح وسنانُ النواظر بالسنا
ففي لحظه استكفى عن الضرب بالظبا … وفي قدّه استغنى عن الطعن بالقنا
فأَينَ غصونُ البان منه إذا انثنى … وأينَ الظباء العُفر منه إذا رنا
فيا سالبي صَبري على البعد والنوى … ويا مُلبسي ثوباً من السُّقم والضنى
لقد فتنتني منك عينٌ كحيلة ٌ … وما خُلِقت عيناك إلاّ لتفتنا
وليلٍ بإرغام الرقيب سهرته … كأنَّ علينا للكواكب أعينا
نَعْمنا به من لذّة العيش ليلة … وقد طافت الأقداح من طرب بنا
فمنْ كأس راح للمسرات تحتسي … ومن ورد خدٍّ ما هنالك يجتنى
إلى أنْ ذوى روض الدجى بصباحه … وبدَّلَ من وردِ البنفسج سوسنا
أعدْ ذكر هاتيك الليالي وإنْ مضت … ولم تَكُ بعد اليوم راجعة لنا
إذا ما جرت تلك الأحاديث بيننا … أَمالَ عليها غصنَه البانُ وکنحنى
وإنْ عرض اللاّحي ولام على الهوى … فصرّح بمن تهوى ودَعْني من الكنى
إلى الله أشكو من تجنّيه شادناً … أَحِلُّ مكاناً في الحشى فتمكّنا
أشيرُ إلى بدرِ الدجنّة طالعاً … وإيّاه يعني بالإشارة من عنى
ويا ويحَ قلبي كيفَ يرمين أعينٌ … تعلَّمنَ مرمى الصيد ثم رميننا
خليليَّ هلْ أحظى بها سنة َ الكرى … لعلَّ خيالاً يطرقُ العينَ موهنا
فما أنا لولا النازحون بمهرقٍ … فُرادى دموع ينحدرنَ ولا ثُنا
رعَيْتُ لهم عهداً وإن شطّت النوى … بهم وکستبين الودُّ بالصدق معلنا
وإنّي لأرعى للمودَّة حقّها … ولا يهدمنَّ الودَّ عندي من بنى
ولا خير في ودّ امرئٍ إنْ تلوّنت … بيَ الحال من ريْب الزمان تلوُّنا
حبيبٌ إليَّ الدهرَ من لا يريبني … ويرعى مودّات الأخلاّءِ بيننا
وكلّ جواد يقتني المال للندى … وينفق يوم الجود أنفس ما اقتنى
لئن كنت أغنى الناس عن سائر الورى … فما لي عن سلمان في حالة غنى
إذا هَتَفَ الداعي مجيباً بکسمه … زجرتُ به طيراً من السعد أيمنا
تأمَّلتُ بالأشراف حسناً ومنظراً … فلم أرَ أبهى من سناه وأحسنا
بأكرمهم كفّاً وأوفرهم ندى ً … وأرفعِهم قَدَراً وأمنعِهم بِنا
وكم حدَّثوا يوم الندى بحديثه … فقلتُ أحاديث الكلام إلى هنا
وما زال يروي الشعر عن مكرماته … حديث المعالي عن علاه معنعنا
بكلّ قصيدٍ يحسُد العقد نظمها … تفنَّنَ فيها المادحون تفنّنا
بروحي من لا زال منذُ عَرَفْتُه … إذا ما أساءَ الدهرُ بالحرّ أحسنا
نبا لا نبا عنّي بجانب ودّه … ومن لي به لو كان بالوَرْدِ قد دنا
وبي فيه من حُرِّ الكلام وجَزله … مقالٌ من العتبى وعتبٌ تضمَّنا
إذا برزت لي حجة في عتابه … أعادت فصيح النطق بالصدق ألكنا
أبا مصطفى إني وانْ كنتأخرساً … فما زال كلّي في ثنائك أسنا
أبا مصطفى أمّا رضاك فمُنْيَتي … ومن عَجَبٍ فيك المنيَّة والمنى
إذا كان عزّي من لدنك ورفعتي … فلا ترتضِ لي موطن الذل موطنا
ألستُ امرأً أنزلتُ فيك مقاصدي … بمنزلة تستوجب الحمد والثنا
وشكرانُ ما أوليتنيه من النّدى … لمتخذِ المعروف في البرّ ديدنا
وما كان ظنّي فيك تصغي لكاذب … وتقبل قول الزور من ولد الزنا
فتبدلني بعد المودَّة ِ بالقلى … وتغضب ظلماً قبلَ أنْ تتبينا
وأنْتَ الذي جَرَّبتني وَبَلْوتَني … وأَنْتَ الذي في الناس تعرف من أنا
أبيٌّ أشمُّ الأنف غيرُ مداهن … قريب من الحسنى بعيدٌ عن الخنا
صددت وأيم الله لا عن جناية … وما كان لا والله صدّك هيّنا
أبنْ واستبن أمراً تحيط بعلمه … لعلك أنْ تَستكشِفَ العذر بيننا
وهبني مسيئاً ما يزعمونني … بلائقة ٍ منهم فكن أنتَ محسناً
وسرَّ إذنْ نفسي ودع عنك مامضى … فلا زلتَ مسروراً ولا زلتَ في هَنا