عرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ … كأن لم تكنْ لأنيسٍ ديارا
ذكرتُ بها نَزواتِ الصِّبا … بساحاتها والشبابَ المعارا
وقوماً يشنّون لا يفتُرو … ـن إمّا النُّضارَ وإمّا الغِوارا
أبوا كلما عذلوا في الجميـ … ـل إلاّ ” انبعاقاً ” وإلا انفجارا
أمنتُ على القلبِ خوانة ً … تطيعُ جِهاراً وتَعصي سِرارا
أقادُ إليها على ضنها … ولولا الهوَى لملكتُ الخِيارا
و قالوا وقد بدلتْ حادثاتُ … زمانيَ ليلَ مشيبي نهارا :
أتاه المشيبُ بذاك الوَقارِ … فقلت لهمْ: ما أردتُ الوَقارا
فيا ليتَ دهراً أعارَ السّوا … دَ إذ كان يرجعه ما أعارا
وليتَ بياضاً أراد الرّحيلَ … عُقيبَ الزِّيارة ماكان زارا
و مفترشٍ صهواتِ الجيادِ … إذا ما جرى لا يخاف العثارا
تراه قويماً كصدر القنا … لا يطعمُ الغمضَ إلاّ غرارا
سرى في الظلام إلى أن أعا … دَ مرآة َ تلك الليّالي سِرارا
فلما ثناه ” جنابُ الأجلَّ ” … ـلِ نَفَّضَ عن مَنكِبيهِ الغُبارا
وشرَّد عنه زَماعَ الرَّحيلِ … فألقى عصاه وأرخى الإزارا
مزارٌ إذا ” أمه ” الرائدون … أَبَوْا أن يَؤمُّوا سِواه مَزارا
و مغنى ً إذا اضطربتْ بالرجال … رحالْ الركائب كان القرار
فللهِ دَرُّك من آخذِ … و قد وترَ المجدُ ثارا
و من جبلٍ ” ما استجار المروعُ ” … به في البوائق إلاّ أجارا
فتى ً لا ينامُ على رِيبة ٍ … ولا يأخذُ الغَمَّ إلاّ اقتسارا
ولايصطفى غيرَ سيّارة ٍ … منَ الذّكرِ خاض إِليها الغِمارا
و قد جربوك خلال الخطو … ب عيَّ بهنّ لبيبٌ فحارا
فما كنتَ للرُّمح إلاّ السّنانَ … ولا كنتَ للسَّيفِ إلاّ الغِرارا
و إنك في الروع كالمضرحيَّ … أضاقَ على الطائراتِ المطارا
و كم لك دون مليك الملوك … مقامٌ ركبتَ إليه الخطارا
و ملتبسٍ كالتباس الظلا … م أضرمتَ فيه من الرأي نارا
وكنتَ اليمينَ بتلك الشُّغوبِ … وكان الأنامُ جميعاً يسارا
ولمّا تبيَّنَ عُقْبى الأمورِ … وأسفرَ دَيجورُها فاستنارا
درى بعد أن زال ذاك المرا … ءُ من بالصواب عليه أشارا
” ولولا ” دفاعك عمن تراهُ … رأينا أكفَّ رجالٍ قِصارا
و لي نفثة ٌ بين هذا المديح … صبرتُ فلم أعطَ عنها اصطبارا
أأدنو إليك بمحض الوداد … وتبعُدُ عنّي وداداً ودارا
وأُنسى فلا ذكرَ لي في المغيبِ … و ما زادني ذاك إلاّ ادكارا
و إني لأخشى وحوشيتَ منه … أنْ يحسب الناسُ هذا ازورارا
و لستُ بمتهمٍ للضمير … ولكنّني أستزيدُ الجِهارا
و لو قبل الناسُ عذر امرئٍ … لأوسعتُهم عن سِوايَ اعتذارا
فليس لهمْ غيرَ ما أبصروه … عِياناً وعدّوا سواهُ ضِمارا
وكانت جواباتُ كُتْبي تجيءُ … إليَّ سراعاً بفخرٍ غزارا
فقد صِرْنَ إِمّا طوَيْنَ السِّنينَ … وإمّا وَرَدْنَ خِفافاً قِصارا
وكيف تخيبُ صغارُ الأمورِ … لدى من أنال الأمورَ الكبارا ؟
… أنجد سارٍ بها ثمّ غارا
و من كلمٍ كنبال المصيبِ … وبيتٍ شَرودٍ إذا قيلَ سارا
يُغنِّي بهنَّ الحُداة ُ الرِّكابَ … و يسقى بهنّ الطروبُ العقارا
… كِ صَيَّرْتَه راعياً لي فصارا
ولمّا بنيتَ بساحاتهِ … أطلتَ الذرا ورفعت المنارا
فلا زلتَ يا فارج المشكلاتِِ … تنالُ المرادَ وتكفي الحذارا
و هنئتَ بالمهرجانِ الذي … يعودُ كما تبتغيهِ مِرارا
يعودُ بما شئتَ شَوقاً إليك … مِراراً وإنْ لم تُعِرْه انتظارا
ولِمْ لا يتيهُ زمانٌ رآ … كَ فَضلاً لأيّامهِ وافتخارا؟